صدر مؤخرا لعالم الاجتماع الدكتور نجيب بوطالب كتاب يحمل عنوان « الهروب من الكامور إلى أوروبا عبر البلقان » وهي دراسة قام بها تفاعلا مع ظاهرة الهجرة غير النظامة التي تفشت بشكل لافت العام الماضي (2022) في الجنوب الشرقي واساسا في ولاية تطاوين.
واستعرض الكاتب بأسلوبه العلمي الاكاديمي في كتابه دوافع هذه الظاهرة غير المسبوقة وبين ان المسلك المستجد لهذا النمط من الهجرة الشبابية السرية، عبر تركيا وصربيا والمجر والنمسا للوصول خاصة الى فرنسا أقل خطرا من ركوب قوارب الموت عبر البحر الابيض المتوسط، ومكلف اقتصاديا حسب شروط وعمولات شبكات الوسطاء « للحرقة » في الداخل والخارج وحسب ظروف التنقل عبر السيارات او المشي على الاقدام والقفز الخطير على الاسلاك الشائكة الفاصلة بين بلدان العبور.
واستعرض الدكتور بوطالب في هذا المؤلف مكونات ثنائية التهميش ووفرة الموارد الطبيعية في الجهة، ما ولد حراكا شبابيا واسعا ارتكز بالاساس على المطالبة بالتشغيل والتنمية في الشركات البترولية واعتبارا الى هشاشة الوضع الاقتصادي في الجهة والعجز الواضح عن تثمين هذه الثروات وطول انتظار الشباب جعل تطاوين منطقة طاردة لقوة العمل النشيطة فيها فضلا عن توارث خيار الهجرة المبكرة منذ عدة عقود ونجاح مهاجري الجهة في الخارج وامتلاكهم لثروات لا يستهان بها.
ووصف الكاتب هذه الظاهرة بالضاغطة والشاملة التي مست بشكل شبه كلي المجتمع المحلي بجهة الجنوب واساسا ولاية تطاوين، كما تتسبب في اعاقة التنمية وتعكس فشل سياسات الدولة في التشغيل وفي توفير فرص العمل لطالبيها.
وقدر الدكتور بوطالب عدد من اختاروا هذا المسلك للهجرة غير النظامية خلال العام الماضي وحده حوالي 12 الف شخص منهم 11200 طلبوا تراخيص ابوية (اي انهم دون سن 20) وقد اعتمد في ذلك مقابلاته ممع العمد واهالي واقرباء المهاجرين اضافة الى موظفي عدة مؤسسات مثل البريد والبلديات والجمعيات وعبر جلسات محورية في المقاهي وفي مجالس المجموعات المحلية وعبر شبكات التواصل الاجتماعي وتدويناتها محددا دراسته اعتمادا على عينة.
واشار الكاتب في احد فصول هذا الإصدار إلى تسييس ظاهرة الهجرة السرية وتوظيفها من قبل سياسيين لإخافة اوروبا وتحريضها على سلطة البلاد وفق تقديره، كما اشار الى بداية تسرب الاناث الى هذه الظاهرة رغم الهيمنة الذكورية عليها ومغامراتها غير الامنة.
وافاد بان من نتائج هذه الظاهرة توقف حركة الاحتجاجات التي كان يقودها ويؤججها المنتسبون الى تنسيقية الكامور في كل المعتمديات وحصول نقص في بعض المهن والخدمات بجهة الدفع، وارتفاع اجور العمالة المحلية الهامشية في قطاعي البناء والفلاحة اللذين تعرضا الى صعوبات في الجهة. كما أشار الى عامل آخر يتمثل في انفصل الاباء عن الابناء الصغار وانفصال الازواج عن زوجاتهم مما أدى الى التحاق بعض الزوجات باهاليهن ما يؤدي في بعض الحالات الى حصول انفصال وطلاق لدى العديد من حالات المهاجرين فضلا عن المشاكل النفسية والعاطفية لدى الاطفال.