« أذكر إلى اليوم الأفلام، التّي شاهدتها في صغري في قاعتي السينما بالمكنين. كنّا ندرس بجد واجتهاد كامل الشهر ليسمح لنا والدنا بمشاهدة فيلما في احدى القاعتين. وكان يوم الأحد مخصّصا للبنات و بقيّة أيّام الأسبوع للأولاد »، هكذا علّقت استاذة الإعلام العربي بجامعة باريس 8 والناطقة باسم جمعيّة « سينمكنة »، أنس الدبّاش.
وتابعت أنس « لكن في تسعينات القرن المنقضي أقفلت القاعة الأولى أبوابها إلى الأبد في ما تواصل غلق قاعة البلديّة لأكثر من عشرين سنة لتبعث فيها الروح مؤخرا بفضل جمعية « سينمكنة » (سينما المكنين) »، التّي تمّ تأسيسها منذ سنة 2018.
ومكّن تنظيم الجمعيّة لأيّام سينمكنة (مكنة هي الاسم الأمازيغي لمدينة المكنين) للأفلام الشعريّة، من 24 وحتّى 27 ديسمبر 2020، بمثابة عودة الروح لقاعة السينما البلديّة بالمدينة، التّي تضم 650 كرسيّا ولا تزال « آلة عرض الأفلام »، الخاصّة بها، سليمة ولا تشكو سوى من تلف كراسيها وحاجة السقف إلى إعادة التهيئة، بحسب رئيس الجمعيّة المخرج، يونس بن حجريّة.
وتابع بن حجريّة في حديث ل(وات) « منذ سنوات وأنا ابحث عن مفتاح يفتح قاعة سينما بلديّة المكنين إلى أنّ قمنا بتأسيس جمعيّة سينما المكنين ومنها تأسيس مهرجان سينمائي يخوّل لنا إعادة الحياة الى قاعة السينما »… »وعمدت إلى الكتابة لتحريك مشاعر المسؤولين وتحسيسهم بقيمة الصورة ودور الفضاء الثقافي في المدينة ».
وكتب المخرج الشاب يقول، معتمدا عناوين الأفلام ، للاقناع « اليوم كانت أجمل لحظات حياتي السينمائية، اليوم دخلت قاعة السينما المغلقة منذ 20 عاما، ريحتها ريحة أفلام وكراساها « يحكيو برشا كلام »، الأرضية مكسرة ألوانها حلوة رغم الضوء الطافي، عرضت فيها العديد من أفلام من شارلي شابلن ليوسف شاهين لهيتشكوك وشهدت جدرانها نقاشات الهواة والمغرمين بالصورة والسينما، « جات فيها التلفزة » ودخلت « السيّدة ». قالوا « عصفور السطح » اللي باش يطيح عليك كان تدخل وتتذكر « الذاكرة الموشومة » والـ »صرخــة » المكتومة، قالو راهي باش اطيح حتى كان « صفائحها من ذهب »، سيب عليك من « الخرمة » بلا قالك صالة السينما « صندوق عجب »، قُلت لازم ترجع من « آخر فيلم » تعرضْ فيها و »باب العرش » أكيد باش يتحل وترجع « الملائكة » و »الهائمون ». هاذي »دار الناس » الكل مناش في « بلاد الطررني » السينما « صمت القصور » « صراخ » « يسرا » و »الفلاقة » « حكاية بسيطة » و »العبور » على « الحرير الأحمر » و »نغم الناعورة » « كلمة رجال » و »جنون » « في عينيا » لازم « آخر ديسمبر » ترجع « الأميرة » تعرض و »ماتموتش » السينما خاطرها هي الحياة « .
ومثل ماكتبه المخرج الشاب، بحسب تأكيده، بداية تفاعل المسؤولين من المندوب الجهوي للثقافة بالمنستير إلى رئيس بلدية المكنين ومديرة دار الثقافة ومكوّنات المجتمع المدني والاسهام في « عودة روح السينما إلى قلب هذه المدينة والبداية كانت بالأفلام الشعريّة ومهرجان السينما الشعريّة، الذّي تمّ اختتام فعالياته، الأحد ».
واعتبر أن خيار مهرجان الأفلام الشعريّة يعود بالنظر « إلى المعاني الواسعة والصور للشعر… لذا تكون الصورة السينمائية بشكل ما شعرا فقط تختلف اللغة » ويستشهد بن حجريّة بتعليق المخرج الإيراني، عباس كيارستامي، عن أفلامه « لا أعرف شيئا سوى الشعر يستطيع أن يفعل هذا « .
وأوضح أن « السينما الشعريّة لا تعني أبدا معالجة قصيدة شعرية سينمائيا » وهو ماحصل في المهرجان اذ تم اطلاق نقاش سينمائي حول « الصورة الشعرية في سينما المخرج الناصر خمير » (تم تكريمه خلال الدورة) بعد عرض أفلامه من « همس الرمال » الى « بابا عزيز ».
وشهدت الدورة الأولى من مهرجان سينمكنة (مكنة، أيضا، في اشارة إلى « الماكينة ») عرض فيلم عن الشعر الشعبي بالجنوب التونسي للمخرج، محمد صالح العرقي، « على خطى الحروف » لأوّل مرّة وتمّت مناقشة الفيلم كما تمّت مناقشة فيلم « على هذه الأرض « ، للمخرج عبدالله يحيى، وفيلم « بنت القمرة « ، للمخرجة هيبة الذوادي، وأيضا، فيلم
« صوفيزم » ليونس بن حجرية، الذّي تمّ عرضه لأوّل مرّة في المسابقة الرسمية لأيّام قرطاج السنمائيّة، وأوّل عرض بقاعة السينما البلديّة بالمكنين.
وشهدت الدورة، أيضا، عرض فيلم « سارق الدراجة (1948) للمخرج الايطالي دي سيكا وفيلم « مالينا » للمخرج جوزبي تورنتوري وعدة أفلام قصيرة.
تنظيم ورشات بغاية تكوين جيل قادر على قراءة الصورة
وتضمنت الدورة تنظيم ورشات في التكوين السمعي البصري والسينما باشراف سينمائيين وأساتذة جامعيين ومختصين من ذلك ورشة كتابة السيناريو الناقد كمال بن وناس، الى جانب ورشة الإخراج السينمائي مع المخرج عبدالله يحيى والمونتاج مع الباحثة والسينمائية، منية الشرودي وورشة التصوير الفوتوغرافي مع الأستاذ الجامعي محمد نجيب منصر.
الغاية من تنظيم الورشات، التّي احتضنتها دار الثقافة بالمكنين، بحسب المشرفين على الجمعية والمهرجان هو « تكوين جيل جديد قادر على قراءة الصورة الفوتوغرافية والسينمائية وعلى انتاجها » والمساهمة في احداث « مشاريع نقّاد سينما ومخرجين سينمائيين في المستقبل »، بحسب المخرجة، هيبة الذوادي، التّي أوضحت أنّ « حريّة الكتابة وحريّة الرأي مفيدة جدّا للسينمائيين والمفكّرين لتقديم الجديد ». واعتبر الجامعي والناقد السينمائي، كمال بن وناس، أن من شأن هذه النشاطات « تحفيز الشباب للاهتمام بالسينما كلغة وكطريقة تفكير في ما يجري من حوله ».
وأضاف بن يونس أنّ السينما فضاء شاسع يمكن التفسح فيه بكثير من الأريحية غير أنّ القدرة على الاهتمام باللّغة السينمائية ومعرفتها والانغماس في نحوها يحتم المراوحة بين المشاهدة والقراءة إذ أنّ الاقتصار على مشاهدة الأفلام بدون مطالعة كتب حولها أو التحاور حولها غير مثمر ولابّد من « خطاب نقدي مصاحب للسينما يحاول استنطاق بعض المعاني غير الجامدة والمتطورة والمتغيّرة بتغيّر الأحداث والإطار التاريخي والاقتصادي والاجتماعي المعاش لأنّ الفلم فرجة ولكنّه كذلك خطاب فكري وذهني وثقافي ».
ولم تشهد الدورة الأولى من « سينمكنة » تنظيم أي من المسابقات في ظل الجائحة الصحيّة وما تفرضه من التزام بالبروتوكول الصحّي والتقيّد به.
وات