خصصت مجلة الحياة الثقافية النصيب الأوفر من عددها الأخير الصادر في أفريل لفن الموسيقى تحت عنوان « الموسيقى … تلك الحياة »، وذلك تزامنا مع صدور هذا العدد يتزامن مع الدورة الرابعة لتظاهرة « أيام قرطاج الموسيقية ».
وتصدرت صورة الفنانة التونسية الراحلة، حبيبة مسيكة، غلاف المجلة، إلى جانب صورة مدير الدورة الرابعة لأيام قرطاج الموسيقية، حمدي مخلوف، الذي خص المجلة بحوار، أهم ما جاء فيه أنه يجب التمييز بين الموسيقى التونسية والموسيقى في تونس. فالموسيقى التونسية، في رأيه، « لها طابعها الخاص وتطورها يعتبر منغلقا على نفسه بشكل أو بآخر ».
واعتبر مخلوف أن طريقة تدريس التربية الموسيقية في المعاهد العمومية أو الخاصة، تعد بدائية ولم تتغير منذ ستينات القرن الماضي مما أفرز نوعا من التحنيط في خاصية الموسيقى التونسية، بحسب تقديره.
أما بالنسبة للموسيقى في تونس، فقال إنها « تتطور بسرعة لافتة »، مستدلا على ذلك بالعروض المشاركة في الدورة الحالية، « وهي عروض تنبع من التراث الموسيقي التونسي ولكنها تختص أكثر في الموسيقى الإلكترونية التي تتمتع برواج كبير خاصة في مستوى البحر الأبيض المتوسط »، على حد قوله.
وخصص الكاتب أحمد الحمروني، مقالا بعنوان « حبيبة مسيكة في فلك العشق » لهذه الفنانة القديرة التي مثلت بنجوميتها ونهايتها المأساوية (1893 – 1930) مرحلة أساسية في تاريخ الحياة الفنية في تونس، في ميداني الغناء والتمثيل.
هذه الفنانة التونسية الجنسية اليهودية الديانة، توقف عندها الكاتب لتوثيق أعمالها وتقييم أثرها من خلال التعريف بمحطات بارزة في حياتها الفنية والشخصية.
واهتم الباحث الموسيقي، محمد الهادي بن جعفر بـ »الرشيدية بين الفن والسياسة » ليتطرق للظروف الاجتماعية الصعبة التي نشأ فيها المعهد الرشيدي وهو أول معهد موسيقي للمالوف بالإيالة التونسية، آنذاك.
وتزامنت فترة بعث الجمعية الرشيدية مع مؤتمر قصر هلال وتأسيس الحزب الدستوري الجديد، مما يدل على نضال كل من السياسيين والفنانين في تونس وتكاتف جهودهم للحفاظ على التراث الثقافي والموسيقي لوطنهم، خاصة بعد أن بدأت الموسيقى التونسية تفقد مكانتها في فترة الاستعمار نتيجة السياسة الفرنسية المتبعة في الشأن الموسيقي.
ومن جهتها، تطرقت الباحثة، صفية عزوز إلى أثر التطور التكنولوجي على الخطاب الموسيقي، معتبرة أن الانخراط الموسيقي في منظومة الثقافة الرقمية سواء في مرحلة التأليف أو التوزيع أو التدوين والحفظ يقتضي إعادة تأهيل للحقل الموسيقي برمته حتى يتلاءم مع ثقافة « الرقمنة » ويستفيد من آلياتها وبرامجها. ولفتت إلى مخاطر التوظيف المبالغ فيه للتكنولوجيا في المجال الموسيقي في ما يتعلق بتراجع القيم الإبداعية الفردية والاتكال على القدرات التقنية الصناعية فضلا عن السقوط في النمطية وتشويه هوية اللحن عبر إخضاعه إلى عمليات « تجميل » تؤدي إلى طمس الملامح والخصوصيات الأصلية للإبداع الموسيقي.
كما تضمن محور « الموسيقى… تلك الحياة »، مقالات بعنوان « سيميائية العنوان في النصوص الموسيقية » لأمال الرقيق و »الطفل والموسيقى : من أجل فهم أفضل للسيرورة » لعادل حمدي و »أضواء جديدة على الطريقة زن » لحسين القهواجي.
أما محور »دراسات وقراءات » فتضمن مقالا تحليليا بعنوان « القدر في آثار الشابي بين الاعتقاد السني والانزياح الصوفي » لعبد السلام الحمدي، جاء فيه أن « الطور الأول الذي قطعه الشابي من حياته الفكرية هو التنسك والانقطاع إلى العبادة »، مشيرا إلى تشابه التجربة الشعرية والتجربة الصوفية، لدى الشابي، مسارا ومآلا، « فالتجربتان، في تقديره، تتسمان بمعاناة باطنية فائقة تفضي إلى حالة غير طبيعية ».
الدراسة الثانية، خصصت بدورها لـ »الصورة الشعرية وكيفية تشكلها » لدى شاعر الخضراء، واعتبر الجامعي، الطيب رجب، أن الصور عند أبي القاسم الشابي، « كما عند الشعراء الرومنطيقيين سائرهم لا تنهض في اللفظ بل في المعاني الأساسية ».
واهتم هذا العدد من الحياة الثقافية بالنص القصصي من خلال مقال بعنوان « الرموز ودلالاتها في : وعاد البحر لنا أخيرا… » لعمر السعيدي. وتطرقت كاتبة هذا المقال، نزيهة الخليفي، الى رمزية البناء القصصي في هذه المجموعة مبينة أن « قصص السعيدي بنيت بطريقة فنية جمعت بين التداخل والتشابك وتعدد الأنسجة السردية وتفريعها إلى وحدات سردية أخرى ».
واعتبرت الخليفي أن عمر السعيدي « وجد في القصص القرآني منهلا مكنه من الاطلاع على أساطير الأولين ثم إدماجها ضمن النسيج النصي لتأتي أفعالا خارقة تشيع اللامعقول وتثير الغرابة ».
وللقصيدة النثرية نصيبها في هذا العدد، إذ كتب بوبكر عموري عن « الأنوثة المهدورة والذكورة المغدورة في ديوان : المومس العذراء للسيدة عشتار بن علي »، معتبرا أن الانتماء لقصيدة الشعر الذي أخذته الشاعرة « كان لضرورة التعبير عن صنع سلطة جديدة تحاور المقدس لتكشف الدنس فيه وتعلي المدنس لتقدّسه ».
وفي باب المتابعات، اهتم الإعلامي، كمال الشيحاوي بـفعاليات الندوة الفكرية التي نظمتها المكتبة الوطنية بالاشتراك مع « جمعية العفيف الأخضر للفكر الحر » حول « موقع الأوان » بمناسبة مرور عشر سنوات عن تأسيسه. فأوضح أن هذا الموقع « أثمر ما يقارب الخمسة عشر ألفا من المقالات والدراسات والبحوث المحكمة وعديد الحوارات والترجمات والملفات التي تحول الكثير منها إلى النشر الورقي سواء في كراسات الأوان أو في ما نشره كتاب الموقع في دور نشر عربية مختلفة.
كما ضم العدد 280 لمجلة الحياة الثقافية، قصائد لكل من عبد الواحد السويح بعنوان « بيتان » و »قناعة » و »تمثال كلب » و »على كرسي » فضلا عن نص شعري بعنوان « وجوه تخبّئ أظافرها في المرآة » لفتحي مهذب، ونصين إبداعيين لكل من أحلام مجّولي يحمل عنوان « ظلان لهلع واحد » وعباس سليمان، بعنوان « نسائيّات ».