قدمت الممثلة المسرحية ليلى طوبال والموسيقي الشاب مهدي الطرابلسي، مساء السبت بقاعة التياترو بالعاصمة، العرض الأول لعملهما « حورية » وهو عرض مسرحي موسيقي يدوم 90 دقيقة من إنتاج شركة « الفن مقاومة ».
تدور أحداث المسرحية في « استوديو » محطة إذاعية « سلام آف آم » مباشرة بعد تدمير مقرها في عملية إرهابية استهدفته يوم تدشينه، إلا أن أعمال التخويف والترهيب لم تمنع الصحفية وعازف البيانو من مواصلة العمل وتقديم البرنامج للمستمعين ليحكيا لهم قصة حب « ممنوعة » جمعت حورية بآدم.
وارتكز هذا العمل المسرحي على الجمع بين صورتين والمراوحة بينهما: الأولى صورة واقعية مباشرة تتمثل في حركة الممثلة ليلى طوبال، وعناصر السينوغرافيا والديكور والإضاءة المؤثثة للركح. أما الصورة الثانية فهي صورة ذهنية يتمثّلها المتفرج مع النص الذي تلقيه ليلى طوبال وهي تتحدّث عن مختلف أطوار قصة الحب الممنوعة التي جمعت حورية بآدم.
وقد جمعت الممثلة في دائها بين الجدّ حينا والسخرية أحيانا، لإبراز العيوب ومكامن الضعف والقصور في الفرد والمجتمع، وتسلّط الضوء عليها سياسيا (الفساد السياسي) واجتماعيا (الفقر والبطالة والتهميش) ودينيا (التشدد الديني) وثقافيا (التخلف الفكري) وخلقيا (القبح والجمال) وأخلاقيا، وهي تتمثل في انهيار قيم التسامح والمحبة وبروز قيم الكراهية والعنف والتسلط وثقافة الدماء.
كما انبنت المسرحية على عدة أساليب منها التكرار للحركات أو للنص، وربما تعمّدت ليلى طوبال استعمال هذا الأسلوب بكثافة للدلالة على خطورة ظاهرة العنف والإرهاب وإطلاق صفارة الإنذار لتحذّر من عودتهم إلى تونس.
وتأخذ ليلى طوبال الجمهور أيضا، في رحلة إلى العالم السماوي (الجنة) لتقدّم نبذة عن حور العين السبعة اللائي يعتقد الإرهابي أنهن ينتظرنه بعد قيامه بالعملية الإرهابية، فينفرن منه وترمي به إحداهن إلى الجحيم.
وجعلت طوبال من الجنة عالما مألوفا شبيها بالعالم الأرضي في أجوائه. وتجلّى من خلال نص المسرحية أن « حور العين في إضراب ولديهن مطالب أيضا، وأن المكان شديد الحرارة »، والحرارة في هذا السياق هي استعارة من العالم الواقعي الذي يشتد فيه الصراع وتسوده الحروب وتبرز فيه بقوة مظاهر العنف.
وهي مفارقة عجيبة في المكان (الجنة) الذي كان من المؤمل أن يكون فضاءً مقدّسا وإذا به يتحوّل إلى مكان مدنّس بعد أن دنّسه الإرهابي الحالم بلقاء حور العين.
تدافع ليلى طوبال بقوة عن قيم الحياة وتنتصر للجمال والحب، وهذا يظهر من خلال عنوان المسرحية أوّلا « حورية » وهو الاسم نفسه الذي أطلقته صاحبة هذا العمل على حبيبة آدم، ذلك لما يحمله اسم حورية من مقاصد تتعلق بالمرأة الحسناء التي تحمل صفات جمالية مثالية.
أما إيقاع العرض فقد اتخذ منحًى تصاعديًّا ليحاكي إيقاع الحياة الواقعية المليء بالأحداث الساخنة وهي أحداث الحرب والدمار والموت. وقد ساهمت الموسيقى التصويرية التي أبدع في عزفها الشاب مهدي الطرابلسي في رسم حركة الإيقاع التصاعدي وإبراز هول المشهد وعمق المأساة البشرية.
وقد كانت هذه الموسيقية التصويرية وفية إلى نص المسرحية الذي انفجر بالمعاني انتصارا للإنسان والجمال والحياة والحب ضدّ ثقافة الكراهية والتطرف والموت.
ولعلّ ثراء النص بالمعاني وجعل المتلقي يتمثل الصورة الذهنية لقصة الحب المأساوية التي جمعت حورية بآدم، قد طغى على الحضور الركحي للممثلة ليلى طوبال.
وسيحظى المولعون بالفن الرابع بفرصة مشاهدة هذا العمل في سلسلة عروض متتالية يحتضنها فضاء التياترو بالعاصمة من 1 إلى 4 ومن 9 إلى 11 مارس القادم، إلى جانب تقديم 3 عروض بقاعة الفن الرابع أيام 17 و18 و19 من الشهر نفسه.
وات