صدرت عدد جديد من مجلّة فنون عن وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وقد تمحور حول موضوع « الفنّ والتّكنولوجيّات الجديدة »، من خلال مقالات ودراسات بالعربيّة والفرنسيّة.
وقد ورد في الإفتتاحيّة، بقلم خليل قويعة أنّ التطوّر التكنولوجي الصّاعق الذي تشهده الصّورة الفنيّة في مجال المعلوماتيّة والاتّصال قد أدّى إلى فرض تغيّرات مطّردة في طريقة تعاملنا مع العالم والأشياء، كما وقد ضاعف دور الوسائط المعلوماتيّة في تواصلنا مع العالم المحسوس على حساب الإيقاع الحيّ الذي يربط الإنسان بعالم الصّورة الفنيّة.
وهكذا تتوغّل الصّورة المفبركة عبر أنظمة الحاسوب شيئا فشيئا داخل الحياة اليوميّة والحسيّة للإنسان المعاصر لتحتلّ مجاله البصري اليومي. وهي بنفس القدر تحدّد مجال تعامله مع المستوى الجمالي لهذا المحيط البصري الذي يتكوّن من داخل الحواسيب.
وقد بدت التّكنولوجيّات الجديدة تتحرّك من خلال الخارطة الجيو-سياسيّة المتاحة، تلك التي ما انفكّت تقسّم العالم بين طرف منتج وآخر مستهلك ! ولا ريب، إن عقل الهيمنة هو ما ينتج الحقيقة العلميّة وما تحتمله من استثمارات عَمَليّة وهو ذاته ما ينتج الوهم الجمالي الخلاّق في ذات الوقت، بل ويسعى إلى تصنيعه وإعادة تحويله ضمن سوق القيم الجديدة. أيّ أمل يمكن للفنّ أن يهدينا من أجل أن نَكُونَ في هذا الزّمان؟ وأيّ فكر يُمَكّننا من تسخير التّكنولوجيّات الجديدة باتّجاه تحقيق قيمة الحريّة، حتّى لا نكون مجرّد قطعة بائسة في منظوماتها الإستهلاكيّة أو رقما احتياطيّا منسيّا في معادلاتها الرّقميّة ! هكذا تساءل رئيس التّحرير، في افتتاحيّة هذا العدد.
تصدّرت المجلّة قصيدة للشاعر خالد الوغلاني في وداع محمّد الصّغير أولاد أحمد. وفي ركن « مقاربات » نقرأ دراسة علميّة ونقديّة حول السّيبرنيطيقا في الفنّ المعاصر. وقد قدّم المهندس ياسين الحلواني دراسة حول برمجيّة « الأوتوكاد » وأثرها في اللفن المعماري. وفي ندوة المجلّة حول الفنّ والتّكنولوجيّات الجديدة، شارك كلّ من الفنّانين والباحثين النّقاد محتار العجيمي وفاتن شوبة السّخيري والفاضل الجزيري وأحمد القاسمي ومحمّد الجويني ونعمان قمش وسمير بن علي المسعودي وفاتح بن عامر وخالد الوغلاني، بمساهمة الصحفيّة ليلى بورقعة. وفي ركن « تجارب » قدّم كلّ من الباحثين رمزي التركي وحمدي المعلول وهندة بوحامد وأمين الغرياني مقالات حول الرّوبوتيّة في الفنّ وحول أشرطة شوبز غبل السّينمائيّة وحول الصّورة الفوتوغرافيّة الحديثة وحول « البيو- آرت » والإيكولوجيا… وفي « ملفّات نقديّة » قدّم كلّ من الأستاذين خالد البغدادي، من مصر، ووسيم القربي مقالين حول الشبكة العنكبوتيّة، الآن وهنا… وحول الرّقمنة السّينمائيّة.
أمّا حوار العدد فقد كان مع الفنان والمفكّر الناصر بن الشيخ حول الممكنات الرّقميّة للحواسيب في صياغة الصّورة الفنيّة والتّدبير الجمالي للمعادلات الرّياضيّة، بالإعتماد على تجربته الإبداعيّة. وفي « تحقيقات » قدّم سفيان العرفااوي تحقيقا حول الفنون والتّكنولوجيّات الجديدة، الرّهانات المفاهيميّة وتحوّلات الرّاهن، بمشاركة الفيلسوف التّونسي حمّادي بن جاء بالله وعالمي الإجتماع ريم الزّياني بوعفيف وطارق بالحاج والسّينمائي غانم غوّار. وللمجلّة متابعات وإضاءات نقديّة للشأن الثقافي السّيّار تتخذ لها مسافة من الأحداث. وفي هذا المستوى، قدّم سمير بن علي المسعودي جولة في أيّام قرطاج الموسيقيّة، فيما قدّم خالد عبيدة تظاهرة « المهرجان الدّولي للفن والشباب والمدينة بالشمال الغربي »، سليانة وباجة وجندوبة والكاف، الذي انتظم بالتعاون بين وزارات الثقافة والمحافظة على التراث والتّعليم العالي والشباب والرّياضة وبين المجتمع المدني.
أمّا في القسم الفرنسي، فقد اشتمل العدد على مقاربات ودراسات لكلّ من الأساتذة والفنّانين غزافياي لومبرت وكارول هوفمان، من فرنسا، وفاتن شوبة السّخيري حول الفنّ المعاصر والرّقمنة وإشكاليّات الصّورة الافتراضيّة… وأمّا في « الملفّ » فقد وردت جملة من المداخلات العلميّة المبسّطة لكلّ من الأساتذة والمهندسين رؤية زغدان وسعيدة عروس وياسين قطاط حول تقنيات الإبداع في مجال الصّورة والصّوت، فيما عالج الأستاذ الهادي مقديش موضوع فن الأشرطة المصوّرة والكاريكاتور… وتطرّقت الأستاذة ملاك السّبعي لفنّ الرّقص والكوريغرافيا بتونس ضمن رؤية تاريخيّة ونقديّة.
هذا، وسيكون محور العدد القادم، رقم 15، الذي يصدر في الثلاثيّة الأخيرة من هذه السنة، حول « الفنّ بوصفه مقاومة ».