تثير مسألة الاغتيال السياسي مشكلة قانونية حول الكيفية التي يجب التعامل بها معه، إذ أن غياب نص قانوني واضح يحسم المسألة وتشتت النصوص القادرة على استيعاب الجريمة المرتكبة، يعيق التكييف القانوني للاغتيال، كما أن الفراغ التشريعي يمكن السلطة من توظيف الاغتيال السياسي الواقع حسب مصالحها، من هذا المنطلق استهلت خولة الزعزاع بحثها الصادر حديثا في كتاب يحمل عنوان « جريمة الاغتيال السياسي » الصادر عن دار آفاق-برسبكتيف تونس » للنشر ضمن سلسلة آفاق للدراسات والبحوث.
ويسلط هذا الكتاب الضوء على المنظومة التشريعية التونسية وضرورة مراجعتها وتطوير الفراغ التشريعي في ما يتعلق بجريمة الاغتيال السياسي.
وقد انطلقت الباحثة من تحديد مفهوم الاغتيال السياسي لغة واصطلاحا مرورا بهذا الاغتيال عبر التاريخ منذ ما قبل الإسلام وخلاله وصولا إلى العصر الحديث. وعرجت على الاغتيالات السابقة للاستقلال في تونس بدءا من اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد (1952) والهادي شاكر وعبد الرحمان مامي (1954) وحسين بوزيال (1956) مرورا بفترة الصراع اليوسفي البورقيبي بعد الاستقلال والتي انتهت باغتيال الزعيم بن يوسف سنة 1961 وصولا الى مرحلة ما بعد الثورة واغتيال القيادي والمعارض اليساري شكري بلعيد (فيفري 2013) والنائب في المجلس الوطني التأسيسي محمد البراهمي في 25 جويلية من العام ذاته.
وبينت أن الفراغ التشريعي ولد مراوحة بين اعتبار الاغتيال السياسي مجرد جريمة قتل مع سبق الإصرار وبين إدراجها ضمن الجرائم الإرهابية، ملاحظة أن الفراغ في التكييف والوصف القانوني للجريمة من شأنه أن ينعكس على سير العدالة. وفي السياق ذاته أبرزت العديد من جوانب القصور منها غياب تعريف واضح لجريمة القتل في المجلة الجزائية وغياب تحديد الطبيعة الخاصة لجرائم الاغتيال السياسي فضلا عن غياب تصنيف هذا النوع من الجرائم كصورة خاصة من صور جرائم القتل العمد.
وخلصت تبعا لذلك إلى وجود اضطراب وغموض في المنظومة القانونية في ما يتعلق بالوصف القانوني المرتبط بخصوصية هذه الجرائم وتحديد ضوابطها، مما ينعكس على سلم العقوبات التي من المفترض أن تسلط على مرتكبي جريمة الاغتيال السياسي وظروف التشديد أو التخفيف المتعلقة بالعقوبة.
ولفت الأستاذ ابراهيم الرفاعي، في تقديمه لهذا الإصدار، إلى أن الباحثة لم تتناول الموضوع كمجرد وصف أو سرد بل تناولته كأطروحة انطلاقا من اعتبارها مسألة الاغتيال السياسي « جريمة » لها خصوصياتها في المفهوم والتكييف والزجر، معتبرا أن خولة الزعزاع تميزت في هذا العمل « بالجرأة الكبيرة والكفاءة العالية في تناول الموضوع ودعوتها إلى ملء فراغ تشريعي وتوضيح السياسة الجزائية بالنسبة الى هذا النوع من الجرائم ».
كتاب « جريمة الاغتيال السياسي »، الصادر في 169 صفحة، هو بحث تحصلت بموجبه خولة الزعزاع على شهادة الماجستير في العلوم الجنائية تحت إشراف الأستاذ ابراهيم الرفاعي، وهو عمل أكاديمي ينضاف إلى مجموع الدراسات التي سبق ان نشرتها دار آفاق منها عديد البحوث الجامعية لكل من عبد الجليل بوقرة ونعمان الربودي والمنصف الوهايبي والمنجي السليماني ولمياء العبيدي وغيرهم.

وات