قدم يوم الأربعاء 18 ديسمبر فيلم « الذراري الحمر » للطفي عاشور في عرض خاص بالصحفيين وسيقدم في عرضه التونسي الأول مساء اليوم بقاعة الأوبرا بالعاصمة وذلك في إطار فعاليات الدورة 35 من أيام قرطاج السينمائية.
هذا الفيلم الذي ينافس ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة هو عمل مستوحى من القصة الواقعية لمبروك السلطاني الذي راح ضحية عملية إرهابية هزت الرأي العام الوطني التونسي والعالمي حيث قام إرهابيون بذبح هذا الراعي « الطفل » أمام أنظار ابن عمه وتوثيق لحظات ما قبل الذبح لبث الرعب والخوف في قلوب التونسيين.
فيلم « الذراري الحمر » للطفي عاشور (100 دق) من إنتاج مشترك تونسي وفرنسي وبلجيكي، يروي القصة بأسلوب درامي من خلال شخصيتي « أشرف » (علي الهلالي) و »نزار » (ياسين سمعوني). وهو عمل كتب نصه كل من لطفي عاشور ودرية عاشور وناتشا دو بونشارة وسيلفان كاتونوا، وشارك فيه مجموعة من الممثلين الكبار على غرار لطيفة القفصي وصالحة النصراوي والجمعي العماري ووداد الدبابي ويونس نوار ومنير خزري ونور الدين همامي وآية بوترعة وريان قروي وسناء بن محمد جابالله ونورة بالعيد.
يمزج العمل في طرحه بين أسلوبي الترميز والمباشراتية. ويبدأ استخدام الترميز من المشهد التمهيدي إذ يبرز صبيان يتوجهان لرعي الأغنام في سفوح جبل المغيلة من ولاية سيدي بوزيد هناك حيث يعاني المتساكنون من صعوبة الحياة على مختلف الأصعدة.
تضمن المشهد التمهيدي تكرارا لمصطلح « عمياء » والمرء حين يصيبه « العمى » يصبح غير قادر على مشاهدة ما يحدث حوله وبذلك قد يتوجه إلى الخطر دون أن يدرك ذلك، وهو ما عاشه الطفلان حين تجاوزا المنطقة العسكرية المحظورة والمعزولة بأسلاك شائكة وتوجها إلى أعلى الجبل.
اختار لطفي عاشور أن يركز في هذا العمل على معاناة الطفل الذي كان شاهدا على عملية الذبح وأُجبر على نقل رأس ابن عمه الذي قطعه الإرهابيون، وقد نجح الممثل الذي أدى دور الطفل في نقل مشاعر الخوف والرعب وتأثير ما بعد الصدمة من خلال تعابير وجهه ونظراته وحركات جسده التي راوحت بين الوقوف « المتجمد » والحركة السريعة غير الثابتة والركض والقفز والسقوط وإعادة الوقوف سريعا.
من خلال جريمة ذبح الطفل وتأثيرها على المحيط، أكد مخرج العمل أن الإرهاب جريمة لا مبرر لها ترتكب في حق أشخاص أبرياء ويقوم بها أشخاص قد لانعرفهم ولكن نسمع ونرى أفعالهم وتأثيراتها على الأفراد والمجموعات، وهو ما أشار إليه من خلال سماع صوت القتلة دون تصوير وجوههم.
راوح تصوير الفيلم بين اللقطات القريبة والبعيدة، أي بين التركيز على ملامح الأفراد وتفاعلاتهم الجسدية والنفسية من جهة، وآثار الإرهاب على عائلة الضحية، وقسوة الحياة على متساكني تلك المنطقة من جهة أخرى وذلك من خلال تصوير المناظر الطبيعية المتسمة بالجفاف وانعدام الاخضرار وانتشار السفوح الصخرية الخطرة. وعمد المخرج بتوظيفه لمشاهد تلبد السماء بالغيوم وزمجرة الرعد ووميض البرق، للدلالة على بركان الغضب في نفوس أهالي المغيلة.
أبرز الفيلم التأثيرات النفسية العميقة للعنف المادي والنفسي على الطفل بصفته ضحية للعنف وشاهدا عليه، وانعكاس ذلك على سلوكاته وذلك من خلال نزوع الطفل « أشرف » إلى إعادة إنتاج العنف على أترابه أثناء اللعب، بالإضافة إلى ملامح تأثيرات ما بعد الصدمة التي برزت في لحظات الصمت العميق للطفل البطل وحواراته المتخيلة مع ابن عمه وهو ما يجسد رفضه الداخلي للجريمة وصعوبة التخلص من تبعاتها.