أصدرت جمعية « المفكرة القانونية-تونس » كتابا جديدا، يحمل عنوان « مانيفستو اليسار التونسي »، وهو مؤلَّفٌ جماعيٌّ تمّ تقديمه، مساء الخميس يفضاء الريو بالعاصمة، بحضور ناشطين في قوى يسارية مختلفة.
وجاء هذا الكتاب في مائتيْ صفحة، وتمّت تجزئته إلى أربعة محاور كبرى: اهتمّ المحور الأوّل بـ « اليسار التونسي كمفهوم وكيان وهوية » وورد المحور الثاني تحت عنوان « اليسار والديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان ». وتطرّق المحور الثالث إلى « اليسار وديناميات الفعل السياسي »، أما المحور الأخير فاهتمّ بسرد حكايات عدد من المناضلين اليساريين.
وتضمّن الكتاب رسوما بيانية للحركات اليسارية وتسلسلها الزمني، إلى جانب خارطة لأهم الفاعلين اليساريين في تونس. وجاءت المقالات المكوّنة لهذا الكتاب ثريّة بقصصها الصحفية والبورتريهات والصور والرسوم البيانية، كما تميّزت بجرأتها في زوايا الطرح من خلال الخوض في المسكوت عنه صلب التيارات اليسارية.
ومن طرائف هذا الإصدار أن مؤلفيه لم يُعيدوا الخوض في تاريخ اليسار ونشأته في تونس، وإنما تركّز اهتمامهم في المقالات حول المراجعة النقدية لليسار التونسي وبناء صورة تأليفية في شكل أسئلة كبرى حول اليسار، ذات العلاقة بمفاهيم الثورة والحرية والديمقراطية والعمل النسوي والحقوق الفردية وحقوق الإنسان وعلاقة اليسار بالإسلام السياسي.
وقال رئيس فرع تونس لجمعية المفكرة القانونية، الحقوقي أحمد كرعود، خلال كلمة ألقاها في افتتاح هذه الندوة لتقديم ومناقشة المؤلف الجماعي « مانيفستو اليسار التونسي »، إن هذا الكتاب الذي صدر في شهر أفريل الماضي، هو محاولة للبحث في إشكالات ومآزق اليسار التونسي، لا من منطلق رصد الإخفاقات وإنما من خلال إعادة صياغة الأسئلة الكبرى المتّصلة بالهوية والحريات وحقوق الإنسان والديمقراطية والممارسة السياسية. وأضاف قائلا : « حاولنا الالتقاء مع الظاهرة اليسارية عبر إعادة صياغة الإشكاليات بأسلوب نقدي لبناء رؤية نقدية وكذلك للنظر إلى القيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي بإمكانها إعادة صياغة الاجتماع السياسي التونسي على أساس ديمقراطي قوامه الحرية والعدالة والمساواة ».
وذكر الناشط اليساري ياسين النابلي، منسّق هذا العمل، أن العودة للكتابة عن اليسار التونسي كان من منطلق التراجع التدريجي لليسار خاصة بعد فقدان وزنه الانتخابي سنة 2019. ولاحظ أن اليسار « كاد أن يكون كيانا هامشيا » في ظل الوضع العام الذي تعيشه البلاد.
ومن العوامل الأخرى التي دفعت بالمفكرة القانونية تونس للاهتمام باليسار في تونس، تحدّث النابلي عن مرور أكثر من قرن على وجود اليسار في تونس، وهي في تقديره، تجربة مازالت مغرية للبحث، مشيرا إلى أن اليسار « لا يعيش تحديات سياسية وفكرية بل تحديات وجودية أيضا ».
وتحدّث عن عديد الصعوبات التي يمرّ بها اليسار، من بينها تعدّد القوى اليسارية وانقسام اليساريين بعد 25 جويلية 2021. وبيّن أن محاولة فهم اليسار في هذا الإصدار لم تكن بالأمر اليسير « لأن الكتابة عن اليسار اليوم تأتي في وضع انتكاسة يعيشها هذا التيار الإيديولوجي »، مضيفا أن عملية الكتابة لم تكن سهلة « بل كانت محاطة بمنزلقات معرفية وسياسية ».
من جانبها، قالت يسرى بلالي، وهي باحثة دكتوراه في الفلسفة الاجتماعية ومساهمة في تأليف هذا الكتاب، إنها اهتمّت بـ « المغيّبات في تاريخ اليسار التونسي »، وهي مقاربة جندرية أرادت من خلالها الخوض في تجربة عدد من النساء اليسارياّت اللاتي لم تبرز تجاربهّن النضالية.
واستعرضت الناشطة اليسارية أروى بركات تجربتها الاحتجاجية في الشارع بين أكتوبر 2020 و25 جويلية 2021. وقالت إن مفهوم الشارع تغيّر مقارنة بما قبل 2011، إذ لم تحوّل مفهوم « الشارع » من الموقف الفردي الواحد إلى مركز للقوة وفضاءً للاحتجاج بين مجموعات غير متجانسة إيديولوجيا وكانت لهم مطالب متفرّقة.
أما الباحث والمترجم والناشط اليساري هشام عبد الصمد، فقد اعتبر أن هذا الكتاب يعدّ خروجا من حالة الشتات الداخلي لليسار التونسي. وتساءل « لماذا سلّط اليسار الضوء على جوانب في الإسلام السياسي ونسيَ نفسه؟ ».
ويرى هشام عبد الصمد، الذي ساهم بمقال تحت عنوان « علاقة اليسار بالإسلام السياسي أو النزاع العالق »، أن اليسار والإسلام السياسي التقيَا في فترة أولى عُرفت بهيئة 18 أكتوبر 2005، فكان أهم حدث هو إضراب الجوع الذي سبق القمة العالمية حول مجتمع المعلومات. ويعتقد أنّ النزاع بين اليسار والإسلام السياسي في ذلك الوقت كان فكريّا وإيجابيّا في الآن ذاته. ويضيف: « بعد الثورة لم يستمّر هذا النزاع الفكري الإيجابي رغم أن الظروف كانت مهيّأة لذلك، ثم حدث التقاءٌ في مناسبة ثانية خلال كتابة دستور 2014″.
وحول أسباب عدم الالتقاء بين اليسار والإسلام السياسي بعد الثورة، لاحظ أن الإسلام السياسي عاد إلى « الفكر الإخواني » أما اليسار فعاد إلى « تعويم الحجاج الحداثويّة ولم يلتحم بالجماهير رغم أنّ المفهوم الذي كان ينبغي عليه الاهتمام به هو الديمقراطية ».
واختلفت آراء المتدخّلين من الحاضرين أثناء النقاش حول هويّة اليسار التونسي، لكنّهم أجمعوا في المقابل على أنّ اليسار فشل في الالتحام بالجماهير لأنه ظلّ « نخبويا »، رغم حضوره في كلّ المحطات النضالية منها أحداث الخبز في الثمانينات وأحداث الحوض المنجمي والأحداث التي عرفتها الثورة والمحطات التي تلتها.