عن دار الثّقافية للنّشر والتوزيع صدرت خلال هذا الأسبوع رواية » لهيب المواجهة » للهادي الزعراوي . و تدور أحداث الرواية حول انتفاضة سكّان الحوض المنجمي بالجنوب الغربي التوّنسي بقفصة ضدّ الفقر والتهميش ضد النّظام ق سنة 2008. وهي تاريخ مُتخيّل داخل التّاريخ الموضوعي أي بسرد يمتزج فيه الواقع بالخيال وجاءت رواية « لهيب المواجهة » من الحجم المتوسط في 142 صفحة .
و في تقديمه للرواية كتب الاستاذ و الناقد مرتضى العبيدي : وقد افتتحت رواية » لهيب المواجهة » بمشهد بطلها مُلقى في زنزانات الايقاف وهو الصّحفي مهنة، تم اعتقاله على خلفية تغطيته لاحداث الانتفاضة الشّعبية بمدن الحوض المنجمي التي عرّف بها تعريفا دقيقا يليق بكتب الجغرافيا فمكّننا من معايشة جانب من واقع زنزانات الإيقاف والسّجون في انتظار حصص الاستجواب والتعذيب لتبرّئه المحكمة- على غير عادتها- فيما بعد بما نسبت اليه من تُهَم. وهو ما جعله يتعجّل الالتحاق بأرض المعركة لتغطية هذه الأحداث كشاهد عيان ولا كناقل أخبار عن بعد.
ليتحوّل السّرد الى نوع من المتابعة اللصيقة للأحداث الجارية وخاصة منها فصول الكرّ والفرّ بين الأهالي المنتفضين ضدّ أوضاعهم المعيشيّة البائسة وأجهزة القمع التي سخّرها النّظام لإخماد لهيب انتفاضتهم وخاصّة لمنعها من اجتياز حدود « القرية العجوز » –الرديّف- حتّى لا يسري مفعولها الى المدن المجاورة أو الى جهات أخرى لا تقل بؤسا عنها. ويحاكي هذا السّرد المسترسل (لا تحتوي الرّواية على فصول ولا حتّى على أرقام تفصل بين أجزائها) استرسال الانتفاضة، مع بعض التقطّعات يتنازل فيها الرّاوي عن عليائه ليفسح المجال لبعض الشّخصيات للحديث عن هذا المظهر أو ذاك، أحاديث تمحورت حول ثنائيّة النّعمة والنّقمة في علاقة بالفسفاط: هذه الثّروة المنهوبة منذ ما يزيد عن القرن، والتّي كان من المفروض أن يعمّ من جرّائها خير كثير على منتجيها، إلّا أنّها لم تجرّ عليهم إلّا الوبال رغم تغيّر المتحكّمين فيها.
فالرّواية في جوهرها سرد لما عاناه ويعانيه سكّان المناجم من استغلال واضطهاد وقمع عنيف كلّما هبّوا للاحتجاج ضدّ الفقر والبطالة والتّهميش، وخاصّة المتعلّق منه بانتفاضة 2008. لذلك عمد الرّاوي إلى نوع من العمل التوثيقي غير الغريب عليه كصحفي، إذ وثَّقَ جانبا من الانتهاكات المرتكبة بحقّ المواطنين بلغت حدّ القتل، فاستعاد ظروف اغتيال شباب الحوض المنجمي الذّين سقطوا شهداء في تلك الملحمة، كما دوّن بدقة أسماء المناضلين الذين تعرّضوا للإيقاف والتعذيب والمحاكمة.
وفي خضم هذه الأحداث عرضَ الكاتب قصّة حب أفلاطونية بجرأة وقلم فلسفي دفعتْ حبيبةَ بطل الرّواية (صحافي) إلى النّضال بأرض الانتفاضة.