البث الحي

الاخبار : الاخبار

477336914_1194384342696699_3100298704914178761_n

مهرجان الأغنية التونسية : من مصعد للنجوم واكتشاف المواهب إلى المراهنة على كسب تحديات الاستمرارية والحفاظ على الهوية الموسيقية

تعيش تونس اليوم  8 مارس، وعلى مدى أربعة أيام، على وقع الدورة الثالثة والعشرين لمهرجان الأغنية التونسية التي تقام تحت عنوان « تونس تغني ». ولطالما كانت الموسيقى ولاتزال جزءا من الهوية الثقافية المعبرة عن أصالة الشعوب. ولم تخرج الموسيقى التونسية عن هذه القاعدة، إذ واكبت مختلف الحضارات التي مرت على البلاد منذ العصور القديمة. وشهدت الموسيقى التونسية تطورا ملحوظا، خصوصا منذ الفترة الأندلسية في القرنين الخامس عشر والسابع عشر، حيث باتت تعبيرا عن التجربة الاجتماعية والتراكم الإبداعي المتفرد.

وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، تعزز حضور الموسيقى كعامل أساسي في تشكيل الثقافة الوطنية، حيث برزت مدارس موسيقية متنوعة ساهمت في إرساء معالم الأغنية التونسية بألحانها وكلماتها التي تجمع بين الأصالة والانفتاح على الإيقاعات الموسيقية المعاصرة.

في ظل هذا التنوع الموسيقي والإبداعي، برزت الحاجة إلى مهرجان يجمع الفنانين والفاعلين في هذا المجال، ويكون فرصة لتطوير الأغنية التونسية وتعزيز إشعاعها. من هنا، جاءت فكرة تأسيس مهرجان الأغنية التونسية سنة 1987، حيث استند المؤسسون وأبرزهم الفنان فتحي زغندة وحمادي بن عثمان وعبد الكريم صحابو، إلى تجارب سابقة شكلت نواته الأولى من بينها مهرجان صليحة في الستينات وسهرات قرطاج بداية من 1973 ومهرجان علي الرياحي الذي تأسس سنة 1979. كما ساهمت نوادي « الشبيبة الموسيقية » التي تأسست سنة 1972 في تكوين أجيال جديدة من الفنانين، فيما جاء « أسبوع الموسيقى التونسية » سنة 1986 ليكون فضاء لدعم النخبة الموسيقية من ملحنين وشعراء وفنانين.

شخصيات فنية بارزة أدارت المهرجان

ومنذ انطلاق مهرجان الأغنية التونسية، أشرف على إدارته شخصيات موسيقية بارزة أسهمت في تطويره، حيث كان الموسيقي الكبير فتحي زغندة أول مدير للمهرجان، وقد أشرف عليه من دورته الأولى سنة 1987 حتى الدورة الثامنة سنة 1994، باستثناء دورة 1992 التي أدارها خليل محفوظ.

وتداولت بعد ذلك أعلام موسيقية عديدة على مهمة إدارة المهرجان على غرار الموسيقار الفنان أحمد عاشور (الدورة التاسعة – 1996) ومحمد بوذينة (الدورة الحادية عشرة – 1999) ورياض المرزوقي (الدورة الثانية عشرة – 2000) وعبد الكريم صحابو (الدورة الثالثة عشرة – 2001) وحمادي بن عثمان (الدورة الرابعة عشرة – 2002) وسنيا مبارك التي أشرفت على إدارة التظاهرة من الدورة السادسة عشرة (2005) إلى الدورة التاسعة عشرة (2008).

ومنذ 2008 غاب المهرجان لمدة 12 سنة قبل أن يعود من جديد سنة 2021 بإدارة الفنان شكري بوزيان (في الدورة العشرين)، وهي الدورة التي أعادت الحياة للمهرجان واستقطبت أسماء كبرى مثل عدنان الشواشي والشاذلي الحاجي ولطفي بوشناق وصابر الرباعي وسنيا مبارك ومحمد الجبالي ونبيهة كراولي وغيرهم.
وبعد توقف المهرجان من جديد سنة 2022، عاد في السنة الموالية (2023) للانتظام وقد شهدت فترة إعداد الدورة الحادية والعشرين إشكاليات، إذ استقالت الفنانة نبيهة كراولي من إدارتها قبل فترة وجيزة ليتم تكليف محمد الهادي الجويني مدير عام مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، آنذاك، بالإشراف عليها.
أما الدورة الثانية والعشرون التي انتظمت سنة 2024 فقد تزامنت مع عدوان الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، لذلك جاء برنامج هذه الدورة التي أشرفت على إدارتها المديرة العامة لمركز الموسيقى العربية والمتوسطية « النجمة الزهراء » سلوى حفيظ، داعما لثقافة المقاومة، ورافعا لشعار الالتزام بقضية الشعب الفلسطيني.
ويسعى مهرجان الأغنية التونسية في دورته الثالثة والعشرين التي ستقام من 8 إلى 11 مارس 2025 بإدارة الفنان الطاهر القيزاني، إلى تطوير تجارب السابقين والحفاظ على الخصوصية وإرث الأجداد منفتحا على التجارب الشابة والمتفردة في جمالياتها وبحثها الموسيقي، بحسب تأكيد المنظمين.

زغندة يستعرض ذكريات التأسيس ويقترح بدائل للتطوير

في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء حول مهرجان الأغنية التونسية، استعرض الأستاذ فتحي زغندة نشأة هذا المهرجان والتحديات التي واجهها منذ تأسيسه سنة 1987، كما قدم رؤية نقدية حول واقعه اليوم وسبل تطوير هذه التظاهرة.

وبالعودة إلى ذكريات التأسيس، بين فتحي زغندة أنه اقترح والفريق الذي عمل معه فكرة إقامة تظاهرة وطنية تعنى بالأغنية التونسية، بدعم من وزير الثقافة آنذاك الفقيد البشير بن سلامة. ورغم غياب الميزانية، تمكن الفريق من تنظيم الدورة الأولى بإمكانيات محدودة وجهود تطوعية، وهو ما اعتبره زغندة « إنجازا كبيرا » آنذاك.

وأكد أن المهرجان استقطب منذ بداياته نخبة من رموز الموسيقى التونسية مثل المايسترو الفقيد عبد الحميد بنعلجية وعازف العود الفقيد علي السريتي والفنان الفقيد أحمد حمزة، وكان المهرجان محطة مهمة لدعم الأغنية التونسية.

رغم النجاح الفني والجماهيري الذي شهدته الدورة الأولى، فإن هذا النجاح انعكس سلبا في بعض الجوانب، وفق زغندة، حيث تعرض المهرجان لانتقادات إعلامية واسعة، بعضها كان نقدا بنّاءً، في حين رأى زغندة أن بعضها الآخر كان « بدافع تصفية الحسابات أو البحث عن مواضيع للجدل. » وأضاف أن النجاح أحيانا قد يتحول إلى عبء، إذ أن بعض الأقلام الصحفية لم تسعَ إلى دعم المهرجان، بل ركزت على البحث عن الثغرات ونقاط الضعف.

ومن أبرز الإشكاليات التي تحدث عنها زغندة هو غياب الترويج الكافي للأعمال الفائزة، مما أدى إلى اندثار معظمها وعدم تحقيقها للانتشار المرجو. وأوضح أن وسائل الإعلام العمومية، مثل الإذاعة والتلفزة الوطنية، لم تكن تواكب الأعمال الفائزة بطريقة تضمن وصولها إلى الجمهور، وهو ما انعكس سلبا على تأثير المهرجان في الساحة الموسيقية وفق تقديره، حيث أكد أن « نجاح أي مهرجان لا يقتصر على تنظيمه فقط، بل يجب أن تكون هناك استراتيجية واضحة لمرافقة الأعمال الفائزة وترويجها وضمان انتشارها ».

ضرورة اعتماد معايير فنية دقيقة في انتقاء الأعمال

ويرى زغندة أن عملية تقييم الأغاني المتنافسة يجب أن تكون أكثر موضوعية، مشيرا إلى أن « بعض الجوائز قد تكون منحت بناء على اعتبارات ذاتية أو انتماءات أكاديمية، وليس على معايير فنية بحتة ». واعتبر أن هناك ضرورة ملحة لمراجعة معايير التحكيم لتكون أكثر شفافية ودقة، بما يضمن اختيار الأعمال الأكثر قدرة على الصمود وتحقيق النجاح.

ويقترح فتحي زغندة، في هذا السياق، وضع خطة إعلامية واضحة لفرض بث الأغاني الفائزة عبر وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، بما يضمن انتشارها بين الجمهور، مع إجراء دراسة علمية معمقة للوقوف على أسباب عدم انتشار الأغاني الفائزة، سواء من حيث تقييم جودة الإنتاج أو تفاعل الجمهور مع الأغاني، كما دعا إلى العمل على إشراك وسائل الإعلام بصفة دائمة في متابعة مسار الأعمال المتوجة لضمان استمراريتها، إلى جانب تطوير آليات التحكيم لضمان اختيار الأغاني بناء على معايير فنية وإبداعية دقيقة.

واختتم حديثه بالتأكيد على أن المهرجان لعب دورا مهما في دعم الأغنية التونسية، لكنه يحتاج إلى رؤية استراتيجية جديدة تأخذ بعين الاعتبار متغيرات السوق الفني وتطور الذائقة الجماهيرية. كما شدد على أن الموسيقى التونسية يجب أن تحظى باهتمام أكبر من قبل وسائل الإعلام، حتى لا تبقى مجرد إنتاجات موسمية تختفي بمجرد انتهاء فعاليات المهرجان.

الفنان شكري بوزيان: لا بد من هيئة قارة لضمان استمرارية العمل

الفنان شكري بوزيان الذي يشارك في الدورة 23 لمهرجان الأغنية التونسية بعمل بعنوان « عيبي الوحيد » من أدائه وألحانه وكلمات حاتم القيزاني وتوزيع أحمد عنتر، والذي سبق له المشاركة في معظم دورات المهرجان وحصد سبع جوائز، مما يجعله من أكثر الفنانين تتويجا في تاريخ المهرجان، تحدث عن إسهامات وزارة الشؤون الثقافية وإدارة الموسيقى أثناء تأسيس المهرجان، مضيفا أن المهرجان مرّ بعدة مراحل، وأشار في هذا السياق إلى أن بعض الدورات كانت تحمل أسماء فنانين كبار. وأوضح أن المهرجان شهد تحولات عديدة، من بينها إدماج مسابقات للمعزوفات بعد سنة 2003، واستقطاب خريجي المعهد العالي للموسيقى، لكنه توقف لمدة 12 سنة قبل أن يعود مجددا سنة 2021، حيث أشرف على إدارته.

وحول رؤيته لمستقبل المهرجان، شدد بوزيان على ضرورة أن يتواصل عمل إدارة المهرجان على مدار السنة، مقترحا أن يكون للمهرجان طاقم إداري قار (لفترة محددة) كما هو الحال في مهرجان قرطاج، وذلك بهدف الحفاظ على هويته. كما دعا إلى تنظيم فعاليات مستمرة تروج للأغاني المتوجة في القنوات الإذاعية والتلفزية. وأعرب بالمناسبة عن استيائه من أن العديد من الأغاني الفائزة تُنسى بعد التتويج، مؤكدا على أهمية تنظيم حفلات خاصة للمتوجين في مهرجانات كبرى مثل قرطاج أو الحمامات.

الفنان عادل بندقة: اختيار المشرفين على المهرجان ينبغي أن يخضع لبرامج وأفكار

من جانبه عبّر الفنان عادل بندقة عن سعادته بعودة بعض العناصر التي ميزت الدورات الأولى من المهرجان، مشيرا إلى أن هذه الدورة تحمل في طياتها « نوستالجيا » تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات.

وأكد بندقة الذي تولى الإدارة الفنية للمهرجان العام الماضي، على أن هذه النسخة أعادت مسابقة الأداء التي غابت عن المهرجان منذ أكثر من عقدين، بعدما كانت ركيزة أساسية في بداياته. كما أشار إلى إدراج المعزوفات، وهو عنصر ارتبط تاريخيا بالمهرجان منذ التسعينات، حين أطلق عليه اسم « مهرجان الموسيقى التونسية »، نظرا لاحتوائه على عروض موسيقية لا تقتصر فقط على الأغنية.

وتحدث عادل بندقة عن التحديات التي تواجه المهرجان هذا العام، منها بالخصوص « عزوف بعض النجوم عن المشاركة، رغم وفرة الملحنين ». وأوضح أن بعض الأسماء ذات التجربة لم تُقبل ملفاتها، في حين أن هناك أصواتا شابة لم يتم اختيارها رغم كفاءتها. وتساءل عن معايير الانتقاء المعتمدة، خاصة مع غياب الإعلان عن أعضاء لجنة الانتقاء، « وهو إجراء يحدث لأول مرة في تاريخ المهرجان » بحسب قوله.

من جهة أخرى، أشار إلى أن لجنة التحكيم هذه السنة هي نفسها لجنة الانتقاء، وهو توجه جديد لم تشهده الدورات السابقة، مضيفا: « رغم أن هذا القرار مثير للجدل، إلا أنه يظل من مسؤولية القائمين على المهرجان الذين لهم رؤية خاصة في تنظيمه ».

وأشاد بندقة ببعض الإضافات الإيجابية التي تميّز هذه الدورة، مثل تنظيم ندوة فكرية حول الموسيقى والمهرجان، مؤكدا على أهمية مثل هذه الفعاليات في تحفيز النقاش حول مستقبل الأغنية التونسية. كما أثنى على جهود الهيئة التنظيمية في إشعاع المهرجان على المستوى الوطني من خلال التنشيط في مختلف جهات البلاد.

في ختام حديثه، دعا عادل بندقة إلى ضرورة تبني تقليد جديد في تونس يتمثل في تقييم التصورات والأفكار والبرامج للراغبين في الإشراف على المهرجان بدل التركيز على أسماء الأشخاص، مشددا على وجوب تثمين الرؤى الناجحة واعتماد أفضل التصورات لضمان تطور المهرجانات الثقافية عموما في البلاد.

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو