احتضن مسرح الاوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي بالعاصمة، يوم الاثنين 14 فيفري العرض العالمي الأول للمشروع الموسيقي »ودعة » للثنائي عايدة النياطي وزياد الزواري، حيث كان الجمهور على موعد مع عرض فرجوي متكامل جمع بين الموسيقى والغناء والكوريغرافيا في سردية فنية تختزل حكاية الفتاة « أمل » التي يهزها الحنين لذكريات الطفولة في تونس بعد سنوات من الغربة.
وعلى امتداد أكثر من ساعة، شدت عايدة النياطي بأغان صيغت خصيصا للعرض على مستوى الكلمة واللحن والتوزيع، حيث امتزج صوتها الذي راوح بين القوة والنعومة بأداء الاركسترا السيمفوني على الركح المتكون من نحو 35 عازفا، بإدارة فنية لعازف الكمان زياد الزواري، فكانت أغان مثل « مشى في بالي حكاية وفات » و »حلمة »، و »لا ما ننسى الوجيعة » وشوارع المدينة »، وغيرها، عبارة عن رحلة عبر الزمن اختزلت العديد من الذكريات الجميلة مع الحبيب الأول، واللقاءات العائلية، وأجواء الصيف المنعشة والبحث في وجوه الناس بشوارع المدينة العتيقة.
لقد غاص عرض « ودعة » في الخصوصيات الفنية للموسيقى التونسية مستلهما أغنياته من روح البداوة الكامنة في طريقة العيش واللباس التقليدي المطرز بالألوان الزاهية وعادات وتقاليد البلاد التونسية من شمالها الى جنوبها، لكنه عانق العالمية عندما تم تطويعه فنيا والتحليق به عاليا باعتماد موسيقات مجددة وعصرية راوحت بين الموسيقى السيمفونية والجاز.
كما اختار زياد الزواري أن يوظف مهارات بعض العازفين بتمكينهم من تقديم وصلات عزف فردية على آلات مثل الكمان والناي و »الباتري » إلى جانب تميزه في العزف المنفرد على آلتي الكمان والبيانو في تناغم مدهش مع صوت عايدة النياطي التي كانت خير داعمة له بصوتها وحركتها المفعمة بالفرح والبهجة على الركح، وأحيانا بحديثها مع الجمهور عن أصل الحكاية في أغانيها.
لقد كان عرض « ودعة » اكتشافا مهما لمشروع موسيقي مغاير للسائد، خاصة من حيث التوجه الفني لمضامينه الضاربة في عمق المحلية، لكنها مبنية بأدوات عصرية مجددة، حتى أنه شكل عرضا بمواصفات عالمية تتناغم فيه الكلمة مع اللحن وترتبط في مجمل ردهاته بموسيقى من عوالم الشرق والغرب الثرية لاسيما مع تطعيم الاوركسترا السيمفونية بعازفين أجانب على غرار عازف « الباتري » الكندي كارل جانوسكا وعازفة الكمان الصربية ميرجانا ناسكوفيك، ورباعي اركسترا « فيلارمونيك » ببلغراد.
وللإشارة، فإن المشروع الموسيقي « ودعة » تم إعداده على امتداد عدة أشهر في اطار إقامة فنية بالحمامات، بدعم من الصندوق الوطني للتشجيع على الإنتاج الادبي والفني لوزارة الشؤون الثقافية، ويبحث في التراث الموسيقي التونسي برؤية منفتحة على الموسيقى العالمية، حيث سعى زياد الزواري، وهو عازف كمان محترف وطنيا ودوليا، إلى صياغة حوار فني يجمع الهوية التونسية بتجارب موسيقية عصرية، وذلك بمصاحبة عايدة النياطي في الأداء، وهي فنانة تونسية تكتب الأغاني وتلحن البعض منها، ولها العديد من التجارب الموسيقية في تونس والخارج.