شخصيات تتدحرج على الركح مطلقة صيحات الفزع تهتز أجسادها وتنتفض بشدة في مشهد افتتاحي دموى مرعب وتراجيدى قتل فيه المخرج حافظ خليفة شخصيات المسرحية منذ مطلعها ليهبهم حياة في البرزخ وهو عنوان هذا العمل الجديد مسرحية البرزخ التى قدمت في عرض أول مساء أمس الجمعة بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة مقتبسة عن نص للراحل ابراهيم بن عمر وتمثيل منتصر الحداد وشكرى قمعون ورياض الرحومي وكامل الحداد وأنور بن عمارة وأسماء بن حمزة وسهير المراحي تدور أحداث برزخ حول ثلاث شخصيات تعيش في حالة سفر بين الموت والبعث بعد أن قتلت من طرف قناصة فتحاول البحث عن الخلاص واختصار هذا الزمن الغريب للتعجيل بمحاسبة من قتلها فتصادف أثناء رحلتها رموزا للنضال الوطني والعربي والدولي وانبنى العمل وفق أنساق من الخيال الابداعي تداخلت فيها شتى الاجناس المسرحية بين السخرية والتراجيديا والعبث لتقدم في محتواها قراءة معمقة لواقع امتزجت أحداثه بالعنف وتلطخت بالدماء عالم البرزخ الذى اختاره المولف مسرحا للاحداث جعله المخرج مزيجا من الخيال الابداعي لما رسم الشخصيات الرئيسية على المفارقة والسخرية فشخصية الشيخ المتدين مثلا واصلت عند البرزخ ممارسة الكذب والتضليل تحت غطاء الدين وشخصية قيس مازالت بعبثها مع الخمرة في مكان كان يجدر أن يكون مقدسا ولكنه تحول مع هذه الشخصيات الى مكان مدنس ترتكب فيه الرذائل وتجلت فيه مظاهر العربدة والكذب والعنف المادى واللفظي والتكفير وهو ما لا يتناسب مع البرزخ بما أنه مكان مقدس وهي مفارقة أخرى استثمرها المخرج في حلحلة الصورة الواقعية وتفكيك خلفياتها السياسية والفكرية واستطاع المخرج حافظ خليفة في هذا العمل الذى يستغرق 75 دقيقة أن يوظف الشخصيات الرئيسية في تصوير هزلي لم يخل من الجد لواقع سياسي بعيد كل البعد عن قضايا الثورة والشعب على حد تعبير المخرج وفى هذا الفضاء الخيالي البرزخ تداخلت عناصر المفارقة والسخرية والنقد في جانبيه السياسي والاجتماعي وابتكر المخرج شكل أحداث المسرحية فجعل الشخصيات ترحل في المكان باحثة عن وادى السلام في البرزخ لتحجز لنفسها مكانا في الجنة باعتبار أن كل شخصية ماتت شهيدة الامرالذى أتاح اثارة مفهوم الشهادة من منطلقات ايديولوجية مختلفة وفتح حافظ خليفة ملف شهداء الثورة من جديد ليتساءل عن ماهية الشهيد الحقيقي الذى لم ينل حقه الى اليوم ولم تكشف ملابسات اغتياله بعد فحاول بأسلوب ساخر وعبثي أن يسلط الضوء على ما أسماها بعبثية السلطة السياسية في التعامل مع ملف شهداء الثورة وجرحاها وعدم جديتها في التعاطي مع ملف الاغتيالات السياسية واستعاد المخرج عن قصد شخصيات تاريخية كالشهيد النقابي فرحات حشاد والثائر ارنيستو تشي غيفارا ليتساءل ان كانت هذه الشخصيات قد نالت حظها فى التاريخ وشكل عنوان المسرحية برزخ العتبة التي يجتازها المتلقي الى أحداث العمل ومضامينه وهو اختراق فني محكم عكس حبكة المخرج في الانتقال من مشهد الى اخر باتقان فالبرزخ بما هو مكان مظلم يحمل ايحاءات ومقاصد عديدة أحالت المتفرج الى الواقع المعاش فالمخرج استعار رمزية البرزخ ليضعها محل مقارنة مع الواقع ويترك المجال للمشاهد أن يتساءل ان كانت هذه الشخصيات تعيش في برزخ فعلا أم أن الانسان في عالم الواقع أضحى ميتا بلا قبور برزخ مسرحية عبثية ساخرة وتراجيدية أسقطها المخرج على الواقع المعاش ليسخر من الواقع السياسي والاجتماعي ويفضح الممارسات السلبية كالظلم والفساد وغياب العدل وتحقيق المارب الذاتية واهمال القضايا المتعلقة بكشف ملابسات قتل شهداء الثورة والاغتيالات السياسية وغيرها من القضايا الهامة.