البث الحي

الاخبار : الاخبار

111

« مجلس إحياء الذاكرة » بكلية منوبة يبحث مسألة الدراسات الدينية اليوم

احتضنت أمس الأربعاء كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة تظاهرة بعنوان « مجلس إحياء الذاكرة » وطرحت هذه التظاهرة موضوع « الدراسات الدينية اليوم؟ ».

وأثث مداخلات هذه التظاهرة أساتذة مختصون في الدراسات الدينية والحضارة والدراسات الإسلامية وهم عبد المجيد الشرفي وتوفيق بن عامر ومحمد الحداد وعبد الرزاق الحمامي وحياة اليعقوبي وزينب التوجاني وفوزية الفرجاني وترأس الجلسة الطاهر المناعي.

وتناول الأساتذة المتدخلون بالدرس عديد الجوانب المتعلقة بالدراسات الدينية في تونس والعالم وتاريخ تأسيسها ومقارباتها وآفاقها.

وفي تقديمه لهذه التظاهرة صرح توفيق العلوي مدير قسم العربية بالكلية بأن هذا النشاط عُنون بمجلس إحياء الذاكرة بصفته سجلا معرفيا يعترف بفضل المؤسسين للدراسات الحضارية وهو شهادة على تواصل الأجيال في سياق معرفي وفكري يكفل تعدد الرأي واختلافه . وهو عبارة عن ما وصفه ب »ذاكرة تحيى وإحياء يتذكر » من أجل التعريف بالأجيال المتعاقبة على الجامعة التونسية وتبعا لذلك يقدم مداخلات التظاهرة ثلاثة أجيال من الباحثين والأكاديميين الذي يجمعهم البحث في علم الأديان المقارن وسوسيولوجيا الظواهر الدينية وخصوصا الإسلام تاريخا وشريعة.

وأفسح العلوي المجال للمداخلات بعد أن طرح جملة من الأسئلة المرتبطة بموضوع اللقاء وهو الدراسات الدينية، إذ تساءل إلى أين وصلت هذه الدراسات ؟ كيف يقيم المشاركون ما اطّلعوا عليه من أعمال مُنجزة ؟ وماهي آفاق الدراسات الدينية؟

// التأصيل التاريخي لنشأة الدراسات الإسلامية

قدم الأستاذ عبد المجيد الشرفي في مداخلته تأصيلا تاريخيا لهذه الدراسات بدءا من القرن 19 حين كان الاعتناء بالشأن الديني حكرا على فئة مشائخ الزيتونة وبعض مشائخ الأزهر وهي فئة كانت منغلقة على نفسها على حد تعبيره ولا تقبل القراءات الدينية إلا من الزيتونيين ومن ذلك أن مشائخ الزيتونة لم يقبلو الاعتراف بالشيخ الخضر حسين (1876/ 1958) في حين لقي الترحاب في مصر.

وحول ماهية هذه الدراسات في ذلك الوقت أشار الشرفي لكونها كانت تهتم فقط بالمتون والشروح وعرض المعلومات الموجودة في المتون المتأخرة أي في عصور ما سمي ب »الانحطاط » (يُطلق على الفترتين المملوكية والعثمانية وهي تسمية تُشير إلى التدهور العلمي والفكري آنذاك) وكانت تهتم بالتفسير والفقه وأصوله والحديث وتمتنع عن الاهتمام بكل المعارف المرتبطة بهذا الموضوع على غرار التاريخ والجغرافيا وغيرها.

وحسب الشرفي، هذا التعامل المنغلق مع المسائل الدينية أفضى إلى فقدان الخطاب الديني لمصداقيته لأنه انقطع عن الحياة مما أبرز فئة أخرى من المهتمين بالشأن الديني آنذاك إما ممن تلقوا تعليما زيتونيا أو أزهريا ولم يكونوا راضين عنه على غرار الطاهر الحداد أو ممن هم من خارج الاختصاص من ذلك منصور فهمي (أستاذ فلسفة) في مصر وذلك بهاجس إصلاحي والمقصود بالإصلاحي هو دراسة الدين بغاية تغيير الوضع وتحسينه.

هذه النزعة الإصلاحية كانت تستعجل الحلول مما أدى بها إلى مأزق وجعل البعض ينشق عنها ومنهم من اتجه إلى اليمين المتطرف ومن تبنى فكر حركة الإخوان المسلمين التي برزت آنذاك والفكر الوهابي.

في تأصيله التاريخي لموضوع الدراسات الدينية عاد عبد المجيد الشرفي على حقبتين أساسيتين وهما حقبة ما قبل ثورة الخميني في إيران أي ما قبل 1967 وما بعهدها. فحسب ما جاء في مداخلته في بداية سبعينات القرن الماضي بدأت تظهر دراسات أخرى واهتمامات أخرى للظاهرة الدينية لا تعتمد الجانب الإصلاحي وإنما ترى أن استعجال الحلول ليس من شأنه أن يوصل إلى النتائج المرجوة ولابد من أن تكون الغاية من وراء الدراسات الدينية والإسلامية معرفية بالأساس وهو ما من شأنه أن يخلخل العديد من المسلمات على حد قوله.

// نشأة الدراسات الدينية العلمية في الجامعة التونسية

وفي مداخلته قام الأستاذ توفيق بن عامر بتنزيل الموضوع في سياق الدراسات الدينية الحديثة مبينا دور الجامعة التونسية في تأسيس هذه الدراسات، إذ يرى بن عامر أن الدراسات الدينية بالمفهوم الحديث أي الدراسات العلمية الموضوعية المحايدة هي من إنتاج الجامعة التونسية الحديثة وهو إنتاج غزير ومتنوع وثري.

وحول مقاربة الجامعة التونسية في التعامل مع هذه الدراسات أشار بن عامر إلى أهمية أن تكون الدراسات الدينية واختصاص الحضارة الإسلامية فرعا أساسيا من الدراسات الحضارية إذ يرى أن الدراسات الإسلامية عموما إذا استغنت عن الدراسات الدينية لا يمكن أن تصل إلى حقائق لان المعطى الديني في الحضارة العربية الإسلامية معطى مركزي يستوجب اهتمام الباحثين.

وأشار إلى أن المنهج المتبع في هذه الدراسات نقدي وتاريخي ويقوم على الاستعانة بعلوم العصر لأن الظاهرة الدينية معقدة جدا ويجب أن تُدرس من كل المداخل النظرية المرتبطة بها، فهي تستدعي جهودا عديدة لفك ألغازها. فالظاهرة الدينية حسب بن عامر تجمع عديد المتناقضات إذ فيها من الثبات والدوام ما يُصعب عملية الإحاطة بها ورصدها رصدا دقيقا وهي في الآن ذاته مُتغيرة.

ويرى بن عامر أن الظواهر الدينية يجب أن تُقرأ من خلال المباحث التالية: علم الاجتماع الديني والمنهج التاريخي النقدي وعلم النفس والمقارنة بين الأديان وتاريخ الأديان والفلسفة بمختلف شُعبها. إذ أن هذه المناهج تضمن مراعاة خصوصيات الظاهرة في سياقها الزماني والمكاني.

ومن المسائل التي على الباحثين النظر فيها حسب المُتدخل مسألة العلمنة فالواقع الحديث وما أبرزه من مظاهر متعددة يستوجب إعادة النظر في براديغم العلمنة في ارتباطه بالبعد الديني وأيضا مسألة ظهور الأديان الجديدة في المجتمعات الغربية.

ولم يُغفل بن عامر في مداخلته مسألة نقد هذه الدراسات الدينية إذ أشار إلى ضرورة تقييم مسألة الكيف ومدى مواكبة هذه الدراسات للمناهج الحديثة للعصر وما يحدث في العالم.

//في نقد الدراسات الدينية وآفاقها

يرى المختص في الفكر الاسلامي الحديث والمؤلفات الدينية، محمد الحداد، أن المطلوب من الباحثين في الدراسات الدينية هو أن يدرسوا الحضارة والأديان دراسة علمية وأن ينخرطوا في الحركة العلمية العالمية التي بدأت مع كوبرنيك (نيكولاس كوبرنيك 1473/ 1543 هو عالم فلك وكاهن بولندي ومكتشف نظام مركزية الشمس) . فمشروع قراءة الأديان حسب الحداد في جدلية مع قراءة مختلف مباحث العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وشدد الحداد على أهمية التمييز بين الدراسات العلمية للأديان والدراسات الدينية وعلى ضرورة أن تتصدى الجامعة التونسية لما أسماه بمحاولة تحويل وجهة الدراسات العلمية للأديان.

وفي تماه مع البسطة النقدية التي قدمها الحداد، خصصت حياة اليعقوبي المختصة في الفكر الإسلامي والحضارة مداخلتها لطرح هواجس جيلها من الباحثين الذي يخافون على آفاق الدراسات الدينية اليوم وربطت في نقدها بين تفسير النص الديني وما أسمته بتعثر المشروع التنويري في تونس، فالجامعة حسب اليعقوبي لم تستطع أن تبني وتستكمل المشروع الفكري الذي بدأته والدليل على ذلك تعالي الأصوات منذ 2011 بضرورة عودة النساء إلى البيوت وعودة تعدد الزوجات وغيرها من مظاهر الرّدة.

ورجحت اليعقوبي هذا التعثر في المشروع التنويري إلى أمرين أساسيين وهما عدم امتلاك المفكرين للجرأة الكافية لعرض أطروحاتهم في معزل عن الإسناد السياسي لدكتاتورية بن علي التي بدعمها للمشروع الديني نخرته من الداخل على حد تعبيرها، والسبب الثاني هو عدم المراهنة على وضع بدائل تأويلية لتأويلات أخرى تُطرح بكونها الأصدق والأحق وتواصل قراءة الدراسات الدينية دون المساس ببعض المسلمات مما يبقي هذه الدراسات محدودة.

وراوح بقية المتدخلين بين الحديث عن تجاربهم الشخصية ودوافعهم في اختيار التخصص في الدراسات الدينية وبين نقد عمق هذه الدراسات بالإضافة إلى الاعتراف بفضل الأجيال المتعاقبة من الباحثين والباحثات في تأسيس الدراسات الدينية في الجامعة التونسية.

بقية الأخبار

الميثاق-التحريري

مشروع إصلاح الإذاعة التونسية

مدونة-سلوك

الميثاق

تابعونا على الفيسبوك

فيديو