الكتابة هي فضاء للحرية نظريا لكن في الواقع قد يختلف الأمر، فالكتابة باعتبارها شكل من أشكال التعري أمام القارئ، تجعل الكاتب يمارس رقابة ذاتية رغبة في إخفاء جوانب من حياته حينا، وخوفا من نظرة المجتمع والأحكام التي قد يسلطها البعض عليه من ناحية أخرى.
فمصدر الرقابة ليس دائما الدولة أو الدين بل في أحيان كثيرة الكاتب نفسه أو الكاتبة نفسها خوفا من الرقابة المجتمعية، « فنحن حين نكتب، نكتب لنا وللآخرين » ولعل بروز « الأنا الأعلى » يجعله رقيبا على الكاتبة بشكل خاص فيجعلها حبيسة الخوف من آراء الاخرين ومدى تقبلهم لأفكارها مما يجعلها تمارس على نفسها رقابة قد تكون أحيانا أشد من الرقابة المسلطة عليها من الخارج.
الرقابة والرقابة الذاتية في الأدب النسائي المغاربي كان محور لقاء التأم يوم الأحد بفضاء قصر المعارض بالكرم في اليوم الختامي للدورة 34 لمعرض تونس الدولي للكتاب الذي كان انطلق منذ يوم 6 أفريل الحالي.
اللقاء يندرج ضمن محور نساء بلادي نساء ونصف وأقيم بالاشتراك بين هيئة تنظيم المعرض ومجلة نساء مغاربيات الصادرة بالفرنسية وذلك في إطار انفتاح المعرض على مكونات المجتمع المدني والمنظمات والجمعيات.
الجلسة جمعت ثلة من الأديبات والباحثات هن الكاتبة علياء بكار والكاتبة والمؤرخة والرسامة عائشة ابراهيم، والشاعرة زبيدة الخالدي والكاتبة نجاة فخفاخ الى جانب الكاتبة دلندة الأرقش المديرة العامة لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة.
وأجمعت الحاضرات من خلال مداخلاتهن على أن المكاسب التي حققتها المرأة التونسية على المستوى التشريعي، لم تحل دون تسليط رقابة عليها حينا، وممارستها لرقابة ذاتية حينا آخر، نتيجة ما تتعرض له من ضغوطات او رقابة اجتماعية ودينية بالخصوص، وهو ما يحول دون تقدم المرأة المبدعة بالخصوص وفق تقديرهن.
وقالت الكاتبة علياء بكار انها تحمل في رصيدها 14 كتابا و5 بحوث اكاديمية و4 كتب مخصصة للمرأة و4 قصص للأطفال لكنها لم تمارس طوال مسيرتها الأدبية رقابة على نفسها الا في كتابها الأخير الذي تطرقت فيه الى السينمائية كلثوم برناز، ومرد ذلك هو الحرص على عدم كشف جوانب من الحياة الخاصة لهذه المبدعة السينمائية الراحلة. وأشارت إلى أن المبدعين عموما مهددون من قبل من ينصبون أنفسهم حراسا على الدين والأخلاق.
وبينت أن الكاتبة في معظم الأحيان هي حبيسة العادات والتقاليد والقواعد الاجتماعية لذلك « تلبس قناعا » حين تكتب حتى لا تكشف عن دواخلها من جهة وحتى لا « تزعج » الآخرين من ناحية أخرى. وأشارت في هذا السياق الى الكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي التي تجرأت وكشفت جوانب من عالم المرأة وما تتعرض له مثلا في العمل وهو ما لم يقبله البعض في مجتمعها.
وأشارت علياء بكار إلى تراجع المحرمات لاحقا فصرنا نقرأ لكاتبات يتحدثن عن عدم اتباعهن أي دين أو عن ربط علاقة مع اجنبي غير مسلم وغيرها من المسائل التي لم تكن مطروحة من قبل بأقلام كاتبات.
وفي هذا السياق لاحظت الباحثة دلندة الأرقش أن الرقابة الذاتية أثقل عند المرأة الكاتبة منها لدى الرجل، مشيرة الى وجود مساحات ممنوعة على المرأة، قائلة ان المرأة بصفة عامة أكثر هشاشة من الرجل وهو ما يجعلها تمارس على نفسها رقابة ذاتية.
وتحدثت عائشة ابراهيم عن أحد كتبها الذي تطرقت فيه إلى مجموعة من القضايا « المسكوت عنها » في المجتمع مما جعها محل انتقادات واسعة وصلت بالبعض الى حد الدعوة الى إرجاع العمل بالايداع القانوني حتى تخضع مثل هذه الاصدارات « التائرة » للرقابة. وأقرت بأن الكاتب حتى إن تجاوز الرقابة الذاتية فيجد نفسه في مجابهة الرقابة المجتمعية، وهو ما ذهبت اليه الشاعرة زبيدة الخالدي التي اقرت بممارستها رقابة على نفسها في بعض كتاباتها.
واعتبرت الكاتبة نجاة فخفاخ أن المرأة المثقفة تمثل مصدر إزعاج للكثيرين، وفق تقديرها، مشددة على أن الدولة والدين ليسا مصدر الرقابة الوحيدين، بل إن الرقابة تمارس أحيانا من بعض « المثقفين المنفتحين في الظاهر »، لكنهم لا يقبلون بالآخر المختلف عنهم.
وات