الفيلم الجديد « أطياف » للمخرج الشاب مهدي الهميلي هو التجربة الروائية الطويلة له بعد فيلم « تالة مون آمور » (2016) سيكون متاحًا في قاعات السينما التونسية بداية من اليوم الأربعاء 19 جانفي 2022.
وهذا العمل الجديد (أطياف) هو من إنتاج تونسي فرنسي مشترك، من بطولة عفاف بن محمود وإيهاب بو يحيى والفنانة زازا وسارة الحناشي وسليم بكار. ويدوم العرض ساعتيْن وتتمحور أحداثه حول أمّ تعمل جاهدة في سبيل تحقيق حلم ابنها ليصبح لاعبا محترفا في كرة القدم، لكنها تدخل السجن ظلما بتهمة « الزنا »، ثم تغادره بعد انقضاء مدة الحكم لتشق طريقها بحثا عن ابنها الذي سلك طريق الانحراف.
ويطرح المخرج في فيلمه عديد القضايا الاجتماعية المتعلّقة منها بالعلاقات الأسرية بالإضافة إلى استشراء العنف في المجتمع واستفحال ظاهرة الفساد بعد الثورة، كما لم يُفوّت ربط القضايا الاجتماعية المطروحة في الفيلم بالقضايا السياسية، مسلّطا عدسة الكاميرا على مشاهد العنف والقسوة والوحشية التي تسكن المجتمع بمختلف أطيافه.
لقد ارتكزت أحداث الفيلم على عنصر مهمّ جدّا هو الزمان وهو « الليل » الذي طغى على مختلف مشاهد الفيلم. وقد وظّف مهدي الهميلي زمن الليل لينير العتمة على مظاهر العنف والوحشية بمختلف أشكالها وهي ظواهر استشرت بعد الثورة. وتميّزت الحياة الليلية، وفق ما جاءت في أحداث الفيلم، بحوادث الاغتصاب والعنف وتعاطي المخدّرات وممارسة البغاء وغيرها. أما أشكال العنف التي أبرزتها الكاميرا فهي عنف لفظي وعنف مادي وعنف رمزي وعديدة هي أشكال العنف الأخرى منها ماهو على أساس الجنس كالعنف المسلّط على المرأة.
والعالم الليلي لفيلم « أطياف » وظّفه المخرج أيضا لإبراز رغبة الشباب في التحرّر من سلطة الأبوين وكذلك من رقابة المتشدّدين دينيا، وكأن الليل بالنسبة إلى هؤلاء الشباب في الفيلم هو المساحة التي تخرج فيها فئة « المظلومين » دينيا واجتماعيا من السرّ إلى العلن، فالظلمة هي النور وهي الحرية، وفيها تزدهر ممارسة تجارة الجنس وتعاطي المخدّرات وشرب الكحول.
ولكنّ الليل أيضا يكشف عن استشراء الفساد في سلك بعض الأمنيين، وفق الفيلم دائما، فالجهاز الأمني من المؤمّل أن تكون مهمته حماية الأفراد، لكنه يُصبح جزءا من الفساد وجهازٌ يحمي الفاسدين ويتستّر على المجرمين.
يصوّر مهدي الهميلي واقعا أكثر عنفا من الواقع ما قبل الثورة وأناسٌ أكثر وحشية وشراسة. وهذا الواقع الحالي ينبئ بانفجار اجتماعي إذا لم يتمّ التحرّك بسرعة نحو الإصلاح وإرساء القيم الحقيقية للحرية والعدالة واحترام الذات البشرية واحترام الحريات الفردية. ولكنّ هذه المشهدية السوداء في الفيلم لم تمحُ بصيصا من الأمل، فهذه الأم التي تبحث عن ابنها بين « أنياب الوحوش الآدمية » وجدت من يساعدها ويدعمها في إيجاد ابنها، ليكون هذا الموقف النبيل شعلة نور في ظلمة حالكة وقد تضيء يوما على كامل البلاد لينقشع الظلم والفساد وتعمّ المساواة والحرية في المجتمع.
وات