نظم بيت الرواية يوم الجمعة6 ديسمبر جلسة حوارية فكرية حملت عنوان « السرد وفنون الفرجة »، أثثها الناقد السينمائي والأستاذ كمال بن وناس والمؤلف والسيناريست الطاهر بن غديفة والمخرج المسرحي حمادي المزي والممثل عبد المنعم شويات والناقد المسرحي الدكتور عبد الحليم المسعودي والفنانة المسرحية سنية زرق عيونه، بينما أدار اللقاء الكاتب الأسعد بن حسين.
بدأت الجلسة بمداخلة الأستاذ كمال بن وناس الذي تناول مسألة « الاقتباس » في الفن خاصة في مجالي السينما والمسرح. وأكد بن وناس في مداخلته أن الفن سواء كان سينما أو مسرحا أو رواية لا يمكن أن يكون مجرد أداة محايدة لنقل الأفكار أو سرد الأحداث، بل يجب أن يكون مرتبطا بالبيئة الثقافية التي ينشأ فيها. وفي هذا السياق، شدد على أن الاقتباس في الفن ليس مجرد عملية محاكاة للثقافات الغربية أو نقل للمحتوى الأدبي إلى قالب سينمائي وإنما هو عملية إبداعية تتطلب التفاعل مع الهوية الثقافية المحلية وإضافة عناصر تميزها.
وأشار بن وناس إلى أن « الاقتباس » يعني أكثر من مجرد تعديل في الشكل أو المحتوى بل يتضمن ضرورة إعطاء طابع محلي للغة والجماليات والبلاغة. وأوضح أن هذه العملية يجب أن تنفتح على الثقافات الأخرى خصوصا الغرب مع المحافظة على الجذور الثقافية الخاصة بكل مجتمع. وأوضح أن هذا الاقتباس يجب أن يتسم بالإبداع حيث أن الأعمال الفنية التي تحقق هذا التوازن تصبح أكثر أصالة و ارتباطا بالواقع الاجتماعي والثقافي المحلي.
وفي ختام مداخلته، دعا بن وناس إلى ضرورة إعادة النظر في الهيكلية التي تحكم صناعة السينما اليوم، مشددا على أهمية أن تراعى في الأعمال السينمائية الخصوصية الثقافية المحلية وذلك عبر دمج الأدب مع الفنون. ورأى أن السينما ليست مجرد اقتباس للأدب وإنما هي لغة بصرية تتطلب التفكير النقدي في كيفية الدمج بين الأدب وأدوات السينما لخلق تجارب بصرية مميزة.
أما الكاتب الطاهر بن غديفة، فقد تناول في مداخلته دور السينما كفن يعكس رؤية متعددة للعالم، حيث أشار إلى أن السينما هي مجال يتقاطع فيه الإبداع مع الفنون. وتساءل بن غديفة عن العلاقة بين المخرج و المؤلف وهل من الممكن الفصل بينهما، أم أن هناك تداخلا في عملهما الفني.
وأوضح أن السينما هي في الأساس رؤية فنية تتعلق بالمخرج الذي ينفذ النص الأدبي من خلال الأدوات البصرية الخاصة بالسينما. ولكنه اعتبر أن المخرج لا يمكن أن يكون مؤلفا للمحتوى، بل هو تنفيذي يترجم النص الأدبي إلى رؤية بصرية باستخدام تقنيات الفيلم، بينما يظل المؤلف هو من يملك المحتوى والطريقة في بناء الشخصيات والأحداث.
وتطرق بن غديفة إلى مسألة « سينما المؤلف » التي يروج لها بعض النقاد والمخرجين. ولاحظ أن « سينما المؤلف » فيها خلط بين الفن و التقنية. واعتبر أن هذا الخلط قد يساهم في تهميش دور الكتّاب والمبدعين في المجال الأدبي والدرامي مما يؤدي إلى فقدان قيمة النصوص الأدبية الأصلية. وأكد على أهمية الخيال في السينما، مشيرا إلى أنه عنصر جوهري يجعل السينما تختلف عن الأدب والفنون الأخرى.
وتقاطعت مداخلات بقية المتحدثين حول فكرة أن الفنون تتغذى من بعضها البعض من خلال الاقتباس وإعادة صياغة الأثر الأدبي. وأكد العديد من المتدخلين على أن الرواية والقصص الأدبية تشكل مصدرا غنيا لإلهام السينما و المسرح، حيث يتحول النص الأدبي إلى فيلم أو عمل درامي أو حتى مسرحية، وتصبح هذه العملية بمثابة حياة ثانية للنص. وأشار المتدخلون إلى أن هذه العملية تفتح الباب أمام العمل الفني ليعيش خارج وسائط الكتاب التقليدية ويكتسب طابعا جديدا من خلال تحويله إلى وسائط بصرية ومسرحية مما يساهم في إثراء الذائقة الفنية لدى الجمهور.
ولاحظ المتدخلون أثناء النقاش أن الاقتباس وإعادة الصياغة لا يمثلان مجرد عملية نقل للأفكار، وإنما هي فرصة جديدة للإبداع حيث يمكن للسينما والمسرح أن يعيدا تقديم العمل الأدبي بشكل يعكس تطور المقاربات الفنية. وبيّنوا أن الفنون لا ينبغي أن تقتصر على استنساخ النصوص الأدبية، بل عليها أيضا أن تساهم في تجسيد هذه النصوص بأسلوب متجدّد مع كل زمان ومكان.