« فجرية، قصة حياة » رواية بالفرنسية للكاتبة التونسية علياء مبروك صادرة حديثا عن دار نقوش عربية.
« فجرية »، اسم بطلة الرواية التي دارت حولها كل الأحداث، وبقدر ما يحمل اسمها من إحالة على انبلاج الفجر بما فيه من طلوع شمس وأمل في يوم جديد، بقدر ما جاءت حياتها مثقلة بالمآسي والأحزان.
« فجرية » عاملة نظافة، أو بالأحرى technicienne de surface كما يحلو لها توصيف مهنتها. تقطن أحد الأحياء الشعبية في العاصمة (حي التضامن) وتقطع يوميا المسافة بين بيتها وأحد المعاهد بضاحية المرسى شمال العاصمة عبر قطار تونس البحرية. هي العائل الوحيد لعائلتها المتكونة من خمسة أطفال (3 أولاد وبنتان) فضلا عن والدهم المريض والعاطل عن العمل. زوج متطلب، ومتسلط، لا بد أن توفر له « فجرية » يوميا ثمن سجائره والكحول التي يشربها كل مساء فضلا عن توفير قوت العائلة.
بطريقة سردية فيها الكثير من التشويق، تتعمد الكاتبة علياء مبروك الإسراع أن يسوء حال الزوج ويتوفى منذ الصفحات الأولى، ليخال القارئ المتعاطف مع البطلة، أن عقدة الرواية قد حُلّت ويظنّ عبثا أن حياة « فجرية » ستتحسن مع وفاة هذا الزوج خاصة وأنه لم يكن يقدر تضحياتها بل يمعن في محاولات إبداء التحكم في لباسها ومحاولة الحد من حريتها.
تتسارع الأحداث وتأخذ حياة « فجرية » منحى مغايرا لما حلمت به فإذا بها ترسل ابنتها ذات الاثني عشر ربيعا لتعمل معينة منزلية لدى إحدى العائلات الميسورة، ويذهب أخوها الأكبر العاطل عن العمل ليتسلم جرايتها كل شهر (باعتبار أن الأم والأخت في خدمة الأب والأخ في منظور هذه العائلة)، قبل أن يسافر هو وأخوه بطريقة غير قانونية إلى أحد البلدان الأوروبية بحثا عن العمل وأملا في تحسين وضع اجتماعي بائس.
وتتواصل معاناة الأم بسبب بطالة ابنها الثالث المدلل « منير » الذي لم يساهم في إنارة حياتها بل زادها قتامة، إذ ما انفك يرتكب حماقات ويصاحب أصدقاء السوء مما تسبب له في حادث أنتج إعاقة وعقدا نفسية صارت أختاه أكثر الناس معاناة من تبعاتها.
ولم تقف المآسي عند هذا الحد، إذ بالبنت الصغرى، التي حرصت الأم على أن توفر لها كل الممكن لتواصل دراستها، تقرر أن تلبس الحجاب طمعا في الحصول على زوج لم يأت.
وعلى امتداد هذه الرواية الواردة في 158 صفحة من الحجم الصغير أمعنت الكاتبة في الغوص في أعماق المجتمع التونسي وزعزعت كل ثقة مفرطة في ما يقال عن مكاسب المرأة التونسية، إذ عرّت الواقع وكشفت عن البون الشاسع بين ما تحظى به المرأة على المستوى التشريعي وما تعيشه على أرض الواقع. ونقلت من خلال قصة « فجرية » قصص العديد من النسوة في تونس اليوم بعد مرور 62 سنة على إصدار مجلة الأحوال الشخصية (13 أوت 1956) وما يعانينه من ميز من قبل بعض الأزواج والأبناء الذكور.
علياء مبروك وثّقت من خلال قصة حياة « فجرية » واقعا مريرا للمرأة الكادحة ولفئة من أبناء الأحياء الشعبية الذين ينقطعون عن الدراسة ويتيه بعضهم في الطرقات بين الانحراف والبحث عن الرزق الحلال دون جدوى. ومن خلال أبناء فجرية، أعادت الكاتبة إلى السطح من جديد مشاكل الشباب التونسي الذي يرمي بنفسه في عرض البحر رغبة في مغادرة حدود وطن لم يجد فيه وضعا اجتماعيا يليق به. طرحت علياء مبروك ظاهرة الإجرام في الأحياء الشعبية، وسلطت الضوء على قضية بعض العائلات التي ترمي ببناتها وهن في سن الطفولة من أجل حفنة مال. وطرحت مسائل شائعة في بعض الأوساط تتعلق بمعايير اختيار الزوجة، وما لذلك من علاقة بالدين أو بمظاهر التدين الاجتماعي.
وقد بنيت الرواية على العديد من المتناقضات فظهرت « فجرية » المرأة البسيطة غير المتعلمة، أكثر تمسكا بحريتها من ابنتها خريجة الجامعة.
رواية « فجرية » فيها من الوجع الشيء الكثير، ومن الألم ما قد لا يتحمله القارئ ومن المآسي ما قد لا يتخيل أحد أن يجتمع في بيت صغير، ظلم الأخوة لبعضهم البعض، وظلم الأبناء للآباء، وظلم الزوج لزوجته، والأم لابنها أو ابنتها.
قصة « فجرية » بما تحمله من وجع ليست سوى جزءا من قبح هذا الواقع في مجتمع يعتقد البعض فيه أن المرأة نالت كل حقوقها بل يحسدها البعض عما « تنعم به » من مكاسب تشريعية.
علياء مبروك بهذه الرواية، أطلقت صافرة الإنذار معلنة ضرورة الانتباه إلى هؤلاء الذين يقاسموننا الوطن جغرافيا، لكنهم « منسيون » يعيشون حياة بؤس وشقاء من الولادة حتى الممات.
وات