استضاف المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون « بيت الحكمة موفى الأسبوع المنقضي الأستاذ الهذيلي منصر الدي قدم بالمناسبة محاضرة علمية تناولت موضوع العلاقات الروحانية
وأشار الباحث في البداية الى ان علاقة الروحانية بالدّين علاقة إشكالية ومعقّدة إلى حدّ بعيد. هذا يصدُق عندما نفكّر في تطوّر العلاقة بين الإسلام والتصوّف الذي يُنظرُ إليه بوصفه المعبّر عن الروحانية الإسلامية ويصدُق أيضا عندما نتدبّرُ تجارب إنسانية أخرى حضرت فيها أديان تفرّعت منها وعنها رؤى ومناهج روحانية. هو تعقيدٌ عرفته كلّ الأديان تقريبا وخصوصا التوحيدية وهي الأكثر حضورا في الذاكرة. المسألة بالتالي ليست إسلامية خاصّة بل هي دينية عامّة والمهتمّ بها، بالمقارنة، عند اليهود والمسيحيين والمُسلمين يخلصُ إلى أنّها ترتبط بمنهج التديّن العامّ ولا ترتبط بدين بعينه. لكلّ دين خصوصيّاته ولكن الاهتمام هنا بجانب يُمكن معه جمع كلّ الأديان
وأضاف « يبدأ الدّين، كلّ دين، تجربة روحانية صرفة تعتمدُ سؤال الإنسان عن الغيب وحيرته في الكون وتوقه إلى المُطلق ويتطوّرُ إلى تَجربة جمعية ثمّ اجتماعية فنحن نعرّف جماعات واسعة ومجتمعات بأسرها ومنذ قرون بالدّين الذي تعتنقه أو تنتسب إليه. هذا تطوّر من الذاتي إلى الجمعي ومن الأنطولوجي إلي التاريخي وهو أيضا تطور من البسيط إلي المركّب أو المُعقّد. يتغيّر فهمُ الدين كثيرا وتتغيّر مباحثه ومعارفه وكذلك أولويّات المُتدينين عندما يطولُ الأمد وفي العامّ فإنّ اللحظة الدينية الأولى والمؤسّسة تُهمَّش تدريجيا لتغيب ويصبح الدين تقليدا دينيا ويعظمُ ميراثه وتضخُمُ مدوّنته وتتشعّب اختصاصاته وتكثرُ مدارسه وتتفرّق مذاهبه. في الظاهر والظاهر فقط يبدو ذلك ضربا من إثراء الدّين. جوهرا، يمكن اعتبار ذلك ابتعادا عن الأصول والأسس وهي روحانية وتلكم الأسس والأصول هي التي أهدت الإنسانية، على اختلاف مُعتقداتها، ذواتا كيفية (لجهة بناء النموذج) تعجز عنها ألأنساق الكلامية والفقهية والفكرية المُتديّنة.
وأوضح ان رؤبته لهذه المسالة تنطلق من فكرتين مرتبطتين. الأولى أنّ الأديان بالنّظر إلى ما آلت إليه وما طرأ عليها عبر تاريخ طويل غدت عاجزة اليوم عن مدّ الإنسان بما يحتاجه من أجوبة وحلول وهو الذي يعاني من فقدان المعنى وضمور الحماسة ويكاد يُسلمُ بزمن طغيان المادة والنفعية إلى العبث. جرّب المسيحيون هذا منذ قرون وجرّبه غيرهم قبلهم والدّور الآن على المُسلمين وليس ذلك بالعجيب ولا الغريب
الفكرة الثانية أنّ الخروج من هذه الأزمة لا يكون إذا كان الّا بإعادة استكشاف الروحانية بُعدا عن التّهريج والشعوذة والغرابة وما يستدعي بالذاكرة من فلكلور كلّما كان حديث في الروحانية وعنها.