27 رسالة من محمد البشروش إلى أبي القاسم الشابي لم تنشر قبل، تم جمعها ونشرها في كتاب بعنوان « آخر ما كتب محمّد البشروش إلى الشّابي » (رسائل تُنشر لأوّل مرّة)، وصدر هذه الأيام عن جمعيّة الشّابي للتّنمية الثّقافيّة والاجتماعيّة، وتولى تحقيقه الأستاذ والأديب والشاعر لطفي الشابي.
وفي تقديمه لهذا الإصدار بيّن لطفي الشابي أن « كثيرا من المفكّرين والأدباء والمثقّفين، لم يعيشوا طويلا، ولكنّهم، رغم قِصر أعمارهم تركوا أثرا عظيما ما زال صداه يتردّد ويؤثّر في الأجيال جيلا بعد جيل، لأنّهم كانوا من أصحاب الرّؤى النّافذة والعزائم الثّابتة، ولأنّهم كانوا أصحاب مشاريع أخلصوا لها ووهبوا أعمارهم القصيرة لها، ولعلّ محمّد البشروش أحد هؤلاء ».
وأضاف أن البشروش كان « صاحب مشروع أدبيّ اقتبسه، بحكم اطّلاعه على واقع الأدب الغربيّ آنذاك، ممّا دأب عليه بعض الأدباء والمثقّفين. وكان واثقا من أنّ الرّسائل يمكن أن تحقّق أكثر من نفع للمتراسلين فيما بينهم، ولمن يقرأ هذه الرّسائل بعد مسافة زمنيّة ».
و »من علامات ثقته بهذا المشروع أنّه كان يصرّ على الكتابة، ويحرّض صاحبيْه (الحليوي والشابي) عليها، ويعاتبهما بشدّة حين يتقاعسان عنها، فقد كان يرى ما لم يكن يراه ربّما صديقاه، ولذلك يقول محفّزا، في حوار مع الشّابي: « …ربّما يأتي عليها (الرّسائل) اليوم الذي تنشر فيه على النّاس كما يفعل ذلك أدباء الغرب في كثير من الأحيان. » وذلك ما تمّ بعد أن جاراه الشّابي في غايته تلك ودعا الحليوي أن يقتفي أثره ».
واعتبر لطفي الشابي في تقديمه لهذا الإصدار أن الرّسائل عند البشروش تُكتبُ في وقتها لغايتين: واحدة آنية مدارها التّنفيس عن الآلام والتّعبير عن المواقف ممّا يجري حولهم وبثّ الشّكوى ممّا كان يلقى الأديب المثقّف من زمنه الذي لا يبالي بالأدب أو بالثّقافة… وغاية أخرى آجلة، تهدف إلى أن تتحوّل هذه الرّسائل إلى وثائق عامّة، فتكون في قادم السّنين شهادة على عصر، كما تكون دليلا للباحثين ومصدرا من مصادر تفهّم الأدب الذي كتبَوه والمعاناة التي تقف وراء تلك المحاولات وتدفعها إلى أرقى درجات كمالها وفق تعبيره.
وأوضح محقق هذا الكتاب في تصريح لوات أن الباحث الدكتور علي الشابي كان تحصل على أرشيف أبي القاسم الشابي كاملا من ابن الشاعر (جلال) فتولى انتقاء مجموعة من تلك النفائس حيث جمع منها عديد النّصوص الشّعريّة والنّثريّة والرّسائل التي لم تنشر من قبل، وصدرتْ عن جمعيّة الشّابي للتّنمية الثّقافيّة والاجتماعيّة سنة 2020، بمناسبة الذّكرى السّادسة والثّمانين لوفاة الشّابي. ثمّ استبقى مجموعة من الرّسائل المجهولة أيضا، أرسلها البشروش إلى الشّابي في السنوات الثلاث الأخيرة قبل وفاته. واختار لها أن تصدر في كتاب مستقلّ وهو هذا الإصدار الجديد.
وقد اختارت جمعيّة الشّابي للتّنمية الثّقافيّة والاجتماعيّة، إصدار هذه الرّسائل التي بعث بها البشروش إلى الشّابي في آخر ثلاث سنوات من حياته بعد نحو تسعة عقود من وفاة الشّابي (1934) ونحو ثمانية عقود من وفاته هو (1944).
وكشف لطفي الشابي أن هذه الرسائل فيها الكثير من الإضاءات لجوانب جديدة من واقع الأدب والثّقافة والصّحافة في تلك الفترة الدّقيقة من حياة الشّابي والبشروش ومن كان في مدارهما من أدباء ومثقّفين وصحفيّين، وتكشف عن مواقف لم تقع الإشارة إليها ولم ينتبه إليها المهتمّون بتفاصيل الحياة الأدبيّة والثّقافيّة في تلك الفترة.
وقال إن « المتأمّل في هذه الرّسائل السّبعة والعشرين، يلاحظ ما تتوفّر عليه من تفاصيل ومعلومات ومن أخبار ومن مشاريع وأفكار، كلّها تدعو إلى تدبّرها على نحو جادّ لعلّها تنضاف إلى المنشور من الرّسائل المتداولة منذ عقود فتكتمل الصّورة وتتّضح تلك الحقبة أكثر ».
وعن فحوى هذه الرسائل قال إنها متشعبة فهي « أحاديث كثيرة متنوّعة المشارب، منها ما هو ذاتيّ (يتعلق بالحالة الصحية لكليهما) ومنها ما يخصّ الكتابة والنّشر والتّخطيط لمشاريع تروم مواجهة الواقع المتردّي والردّ على أنصاره الجامدين والنّهوض بالأدب التّونسيّ ».
واعتبر أن الجانب الأهم في هذه الرسائل يتعلق بالحديث عن المشهد الأدبيّ والثّقافي التّونسيّ والعربيّ في السّنوات الثّلاث الأخيرة من حياة الشّابي.