في ليلة الفن والموسيقى الاسبانية، استقطبت أيقونة الرقص وموسيقى الفلامنكو « سارا باراس » جمهور مهرجان قرطاج الدولي بعرض ساحر ومثير حمل عنوان « فويلا » أرادته صاحبته تكريما لأسطورة الفلامنكو وعازف الغيتار الفقيد « باكو دي لوسيا »، فاستحضرت مميزات هذا النمط الفني بأسلوبه الأصيل مع رؤية حديثة امتزجت فيها التقاليد الأندلسية بالإبداع المعاصر.
ووعرف هذا الحفل الذي أقيم في سهرة الثلاثاء 23 جويلية، بحضور سفير المملكة الاسبانية بتونس « خافيير بويغ » ومجموعة من أفراد الجالية الاسبانية المقيمة بتونس، فضلا عن عدد كبير من الجمهور التونسي من المولعين باكتشاف ثقافات العالم ومنها الثقافة الاسبانية.
يعني عنوان العرض « فويلا » بالإسبانية « أطير »، فكان رحلة تأملية عبر الأعمال الموسيقية الرمزية لعازف الغيتار « باكو دي لوسيا »، حيث تندمج رقصات « سارا باراس » ومجموعتها مع إيقاعات الفلامنكو الساحرة، فكانت كل خطوة وكل صدى لصوت الكعب وكل حركة للجسد تحمل شحنة مليئة بالعاطفة والتراث الموسيقي الذي خلّده « باكو دي لوسيا ».
بدأ العرض بمقدمة موسيقية مثيرة، تأسر الوجدان وتحمل الجمهور في رحلة عاطفية مليئة بالتشويق والتوق إلى الفن، وتظهر فيها « سارا باراس » على خشبة المسرح برقصتها المتقنة وإحساسها العميق بالموسيقى وهي تضرب بكعب حذائها الركح لتعزف إيقاعات سريعة تتماهى مع الإيقاعات التي تصدرها آلة الغيتار، فكانت البداية لحظة آسرة للجمهور الذي ظل مشدودا بأنظاره وأسماعه لحركاتها الدقيقة والمتقنة، فكانت كل رقصة و كل ضربة بكعب الحذاء على الخشبة تروي قصة فنية تتجاوز حدود الزمان والمكان وتجرّد كل من حولها ليختبروا مشاعر الأسى والفرح والشغف بكل تفاصيلها.
تتباين فصول العرض بين الحماس والهدوء، بين الإيقاعات القوية والرقيقة، مما يعكس تنوع الفلامنكو وعمقه الفني. كما تتناوب اللحظات المشحونة بالعاطفة مع اللحظات المنمقة بالأناقة مما يجعل كل من حضر هذا العرض يعيش تجربة فريدة ومميزة تغمره بالإلهام والدهشة.
لقد أبهرت هذه الفنانة الإسبانية جمهور موسيقى الفلامنكو وأحباءها، بتناغمها الفريد بين الحركة الأنيقة والموسيقى العاطفية، حيث اندفعت باراس برقة فائقة عبر كل نغمة بحماستها الفنية لترقص على محتلف إيقاعات الفلامنكو الكلاسيكية والمعاصرة، فكانت حركاتها تلقى تفاعلا جماهيريا كبيرا مما جذب انتباه الحاضرين وشدّ إعجابهم بأدائها الحيوي والمثير لاسيما عندما تضرب « سارا باراس » بقدميها على الخشبة المسرح بشكل قوي وبمهارة فائقة ودقيقة في التوقيت والإيقاع، حيث تتعامل الراقصة مع ضرب الخشبة بكعب حذائها كآلة إيقاع تساعدها على التعبير عن مختلف المشاعر والأحاسيس الإنسانية الفيّاضة.
ولم يكن « فويلا » مجرد عرض راقص فحسب، بل كان عرضا فنيًا متكاملا ينبض بالحياة والأناقة والفخر بالتراث الإسباني، ومن خلاله أخذت « سارا باراس » معها الجمهور في رحلة سحرية عبر شغف وجمال الفلامنكو. واستطاعت أن تربط بين التقاليد الجذرية للفلامنكو والابتكارات المعاصرة ببراعة، مما جعلها ليلة ستظل خالدة في تاريخ مهرجان قرطاج الدولي.