- في عرض مسرحي غنائي كوريغرافي مميّز يجسد حياة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، سجّلت دولة فلسطين حضورها في المسابقة الرسمية للدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية بعرض حمل عنوان « العاشق »، من إنتاج مسرح الجوّال ومسرح المجد ودراماتورجيا وإخراج نبيل عازر. وتمّ تقديم هذا العمل مساء اليوم الجمعة بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، أمام جمهور غفير من جنسيات مختلفة من ضيوف المهرجان.
ترحل مسرحية « العاشق » بالجمهور على مدى 90 دقيقة فنيا ووجدانيا فنية إلى حياة الشاعر الكبير محمود درويش من خلال استحضار شذرات من قصائده وأشعاره عبر الغناء والتمثيل لتروي المراحل المختلفة التي مر بها الشاعر سواء في حياته الشخصية أو السياسية. ولم يقتصر العمل على استعراض الأحداث كما هي بل كان أعمق وأشمل من ذلك مقدّما قراءة لمشاعر درويش من خلال سياقات مختلفة تضع نصوصه الشعرية في إطارها التاريخي والسياسي.
لقد أعادت المسرحية رسم صورة درويش في محطات حياته الكبرى بداية من قرية البروة الفلسطينية إلى هجرة 1948، مرورا بمخيمات اللجوء في لبنان ثم بيروت وباريس وصولا إلى رام الله في فلسطين. وترجمت هذه الرحلة كذلك ما يعيشه الفلسطينيون اليوم من قضايا اغتراب وتشتت في وطنهم الأم.
وتميّز العرض، الذي جسّده على الركح الممثلون حسن طه وعلاء شُرّش وديما عازر ولبيب بدارنه ووليانا قسّيس وإياد شيتي وحلا سالم وماريا سمعان بالانتقال السلس بين الأبعاد الغنائية والدرامية والملحمية، فجاءت الأحداث بنسق تصاعدي ومترابطة ارتباطا منطقيا ووجدانيا بين مختلف المشاهد، مما مكن الجمهور من استحضار محطات محمود درويش الحياتية والعاطفية.
ينطلق العرض بالصمت الذي يتحول إلى قصيدة شعرية تُجسد الألم والضياع الفلسطيني، ثم ينتقل بعد ذلك في مسار يتوقف فيه عند أهم المحطات التي تشكل المحور الرئيسي في حياة الشاعر درويش، حيث كانت البداية بالهجرة وحلم العودة الذي ترجمه مشهد الحلم الفلسطيني بالعودة إلى الأرض والهوية بالرغم من القمع والاحتلال. وتوقفت المسرحية في قرية البروة في الأربعينات، فصوّرت مظاهر الحياة النابضة بالحب إلى أن جاءت العاصفة في 1948 ويصبح الفلسطينيون مشتتين في بقاع الأرض.
تنتقل الرحلة إلى حيفا في الستينات بين « ريتّا » وعيني البندقية وفقدان الأمل في العودة. ثم يحط الشاعر المغترب رحاله في بيروت في السبعينات حيث أوج الثورة الفلسطينية وهو المرحلة التي برزت فيها أشعاره وقصائده بقوة. ومن بيروت سار « العاشق » نحو باريس في الثمانينات كما وصفها درويش « النائمة على حافة السان »، حيث يتأمل الشاعر شوارعها في غربته، ليعود إلى مدينة رام الله في التسعينات حيث تنتهي الحكاية ولكن ليس بدون أن يطرح درويش السؤال الأزلي: « من أنا لأقول لكم ما أقول لكم؟ ».