في « بيت أبو عبد الله » تتلاشى جدران المنزل ليحل محلها الوطن بكل أزماته ومعاناته. وليس هذا المنزل إلا مرآة مصغرة عن المجتمع الذي يتعرض للتآكل والانهيار. تعيش الأسرة التي تمثلها الشخصيات في عزلة داخل جدران هذه البناية المهددة وتبدأ معاناتهم الإنسانية تتكشف تدريجيا في صمت مهيب.
و »بيت أبو عبد الله » هو عنوان مسرحية من دولة العراق تمّ عرضها مساء اليوم الثلاثاء بقاعة سينما مسرح الريو بتونس العاصمة ضمن المسابقة الرسمية للدورة 25 من أيام قرطاج المسرحية (23 – 30 نوفمبر 2024)، وهي من إنتاج الفرقة الوطنية للتمثيل وعن نص وإخراج وسينوغرافيا لأنس عبد الصمد الذي وظّف الجسد كأداة رئيسية للتعبير عن المأساة الإنسانية، بعيدا عن الحوار الكلاسيكي، فكان بناء العرض قائما على لغة الجسد.
يُلفت انتباه المتفرج في « بيت أبو عبد الله » على مدى العرض الذي استمرّ لنحو 60 دقيقة غياب الحوار بين الشخصيات التي لم تنبس بكلمة واحدة. وقد ترجم غياب الحوار حالة من انقطاع التواصل والتفاهم بين الأفراد. لكن في مقابل غياب اللغة اللفظية، تتحدث الأجساد وتتحرك الإيماءات والحوارات غير المباشرة، فجاءت الرسالة المتعلقة بفقدان القدرة على التعبير أكثر صدقا.
وأما هذا الصمت المشبع بالمعاناة فهو يكشف عن صراع داخلي مستمر بين هذه الشخصيات التي لا تستطيع إلا أن تتشبث بالحياة رغم المأساة المستمرة التي تعيشها. وتمثل الشخصيات الثلاثة التي تسقط جثثا هامدة بعد إطلاق الرصاص تجسيدا للصراع الوجودي والروحي الذي يعيشه الأفراد في ظل القهر ولكنهم ينهضون مجددا بفعل جديد وهو ما يترجم تمسكهم بالحياة على الرغم من حدة المأساة.