ضمن فعاليات المسابقة الرسمية لأيام قرطاج المسرحية 2024، قدمت فرقة مسرح الشمس الأردنية عرضا بعنوان « يا طالعين الجبل »، مساء اليوم الأربعاء بقاعة الفن الرابع بتونس، وهو عمل من إخراج عبد السلام قبيلات الذي سلّط فيه الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الصهيوني مع إبراز التضحيات التي قدّمها الفلسطينيون على مدى عقود من الاحتلال.
استلهم المخرج أحداث المسرحية من رواية « عد إلى البيت يا خليل » للروائية كفى الزعبي التي تسرد محطات حاسمة في تاريخ فلسطين، بدءا من مذبحة دير ياسين في 1948 وصولا إلى مجزرة جنين عام 2002. وقد عمل عبد السلام قبيلات على إعادة سرد التاريخ بأحاسيس ومشاعر امتزجت فيها الكلمات مع الموسيقى والأغاني الشعبية الفلسطينية، فكان هذا التزاوج لغة مسرحية فريدة من الناحية الفنية للمسرحية وترجمت في مضامينها حجم المعاناة والفقدان والدمار في الحياة الفلسطينية اليومية.
وكانت الترويدة الفلسطينية التي ارتفعت في بداية العرض « يا ولاد حارتنا يويا… » بمثابة إعلان عن الثيمة الرئيسية للمسرحية. وقد مثّلت الأغاني والموسيقى جزءا أساسيا من البنية الفنية للعرض، إذ حملت كل أغنية معاناة الفلسطينيين وتمسّكهم بهويتهم الثقافية كوسيلة للمقاومة والثبات والتجذر في الأرض.
وارتكزت أحداث مسرحية « يا طالعين الجبل » على شخصية « ثريا » وما يحمله هذا الاسم من معاني السمو والعلو. فقد عاشت ثريا مأساة شخصية بوفاة زوجها المقاوم يوسف خلال إحدى المعارك. ومع كل لحظة ألم كانت ثريا تصر على استعادة جثة زوجها من بين الشهداء لتدفنها في مشهد يعكس الوفاء ووجع الفقدان. وفي مغزى أعمق من ذلك، هو دلالة على تجسيد الروح المقاومة التي لا تموت، وفق المعتقدات اليونانية القديمة التي يرمز إليها طائر الفينيق وما يمثله من فكرة البعث والتجدد، حيث كان يُعتقد أنه يحترق نفسه ذاتيا ثم يولد من جديد من رماده في إشارة إلى المفاهيم الروحية مثل الخلود وإعادة الميلاد. وأبدعت شخصية « ثريا » في تجسيد مشاعرها المتأرجحة بين الحزن والأمل المشوب باليأس، حيث انتقلت بحرفية كبيرة بين المونولوغات التراجيدية وبين الأغاني التي استحضرت فيها شعبية التراث الفلسطيني لتبرز معاناة الفقدان والنزوح المستمر في أرض فلسطين.