من المقاعد الخلفية للجمهور بدأ الهتاف يعلو في نسق تصاعدى وعمت المكان جلبة وضوضاء حتى خيل للمتفرج احتداد خلاف بين شقين من الجمهور ليفاجئ الجميع بعد ذلك بالطاقم التمثيلي للمسرحية بصدد التحرك بين المقاعد معلنين بداية العرض الاول لمسرحية أرض الفراشات التي أخرجها سامي النصرى واشترك في صياغة نصها مع نورالدين الهمامي هذا العمل المسرحي الجديد الذى أنتجه مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف واحتضن عرضه الاول مساء الجمعة هو ملحمة درامية دامت أكثر من 90 دقيقة حاول خلالها المخرج سامي النصرى معالجة مسالة تغير القيم والمبادى مركزا في الجانب الاكبر من العمل على مفهوم الارض والهوية ليكشف عن تغير القيم الانسانية كما يقول من حيث أنماط العيش والتفكير والتواصل والحب والصراع وهو تغير يشمل تركيبة السياسي والاجتماعي والثقافي ويمس أيضا الجانب الانساني فيه صورة الصراع على الارض والهوية أبرزها المخرج من خلال شخصية نعيمة بن خليفة خريجة الجامعة التي تحاول صد أطماع عمها في الاستيلاء على أرض والدها المتوفي ومطالبتها باعادة توزيع الميراث أو من خلال التطرق الى القضية الفلسطينية التي ربطها المخرج بقيمة الارض أيضا ليكون الصراع الدائر صراع قيم ورموز ومفاهيم وجغرافيا وتاريخ ويحذر سامي النصرى في مواقف ووضعيات مختلفة من المسرحية من خطورة ضياع قيم التسامح والبناء وحب الوطن لانها سلاح المجتمع في الحفاظ على تماسكه ووحدته ضد قيم التطرف والارهاب والعنف الذى كانت مشاهده حاضرة بقوة في الفضاء الجامعي الذى من المفترض أن يكون فضاء للعلم والمعرفة لكنه أصبح في أرض الفراشات مكانا للصراع وأعمال العنف وليس العنف في هذا العمل المسرحي عنفا ماديا ملموسا كما أنه ليس صراعا اجتماعيا مالوفا فحسب وانما بدأ عنفا اقصائيا يتجسد في غياب التنمية والعدالة الاجتماعية وتغييب رموز تاريخية وذاكرة شعب بأكمله ثمانينات القرن الماضي هي الزمان الذى تدور فيه أحداث المسرحية وقد قام المخرج باسقاطها على الواقع الحالي لتشابه وتيرة الاحداث على حد تقديره مضيفا أن عشرية الثمانينات تتالت فيهاالازمات السياسية والاجتماعية خاصة أحداث قفصة سنة 1980 وأحداث الخبز سنة 1983 وأحداث حمام الشط سنة 1985 وتولي بن علي الحكم سنة 1987 ويرصد سامي النصرى من خلال استحضار الماضي وربطه بالواقع الحالي أزمة المجتمع التونسي واشكالية التأرجح بين ما هو عليه وما يطمح الوصول اليه فترى الشخصيات تتخبط وتتمزق في صراع تراجيدى مع واقعها الحالي باحثة عن رمز يقودها نحو هذا التغيير المنشود فتحاول استرجاع رموز فاعلة من التاريخ في المجال السياسي والثقافي والثورى على غرار علي بن غذاهم والحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف ومحمود المسعدى وأبو القاسم الشابي وغيرها من الاعلام الوطنية الفاعلة في التاريخ الحديث مسرحية أرض الفراشات كتابة ملحمية جديدة كسرت الجدار الرابع بين الركح والجمهور أو ما يصطلح تسميته بالجدار الوهمي لترسم صورة المجتمع بأسلوب فني جمع بين السخرية والنقد والمواجهة بين المواقف المتباينة ورغم مشاهد العنف والصراع الذى سيطر على الجو العام للعرض الا أن نهاية المسرحية تفتح أبواب الامل نحو واقع جديد تتسع فيه أرض تونس للجميع مهما كانت اختلافاتهم وهو ما يوحي به عنوان هذا العمل أرض الفراشات التي ترمز الى تحرر الفراشة من شرنقتها التي كانت تكبلها وشارك في تجسيد شخصيات مسرحية أرض الفراشات ثلة من المسرحيين الشبان وهم نور الدين الهمامي وريان قيرواني وعبد السلام بوزيدى والازهر فرحاني وسيف الدين الشارني ومحمد شوقي خوجة ورمزى ذرايعية وناجي الشابي وشيراز عيارى وهدى حماوى وصبرين عمامو وثريا بوغانمي وجدير بالذكر أن الفنان المسرحي سامي النصرى الذى يشرف على ادارة مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف منذ جانفي 2015 هو خريج المعهد العالي للفن المسرحي بتونس سنة 2000 وتولى اخراج العديد من الاعمال المسرحية منها التنين والذئب سنة 2002 و الريح والفرس وهلال ونجمة سنة 2010 واخرها مسرحية النسور سنة 2013 والتي كتب نصها أيضا بالاشتراك مع المسرحي نور الدين الهمامي.