هل ينمو الذكاء كلّما تطوّر الدماغ؟ ما مدى وجاهة الإقرار بمحدوديّة إدراكنا للذكاء والوعي؟ وهل من تفسيرات علميّة لعدم إدراكنا لوعينا وذكائنا بشكل دقيق؟ ما هي أبرز الاختلافات بين مقاربات الماديين والثنائيين للذكاء؟ ما هي آفاق الذكاء الاصطناعي؟ كيف تستثمر الدول المتقدّمة علميا في صناعات الذكاء؟ لماذا تتحفّظ بعض المرجعيات على منجزات علميّة تؤكّدها التجارب والوقائع؟ هل هي سلطة التجربة الروحيّة و ما مدى مشروعيّة الأجوبة الميتافيزيقيّة ؟
تناول الدكتور رفيق بوخريص هذه القضايا في محاضرة، نظّمها قسم العلوم الطبيعيّة والرياضيات بالمجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون »بيت الحكمة » حول الذكاء البيولوجي والذكاء الاصطناعي، وتتنزّل المحاضرة في إطار سلسلة لقاءاته وندواته وأيامه الدراسيّة، التي ينظّمها باطراد حول جديد البحوث العلميّة، مستضيفا أبرز الأكاديميين والخبراء التونسيين والعالميين لتقديم قراءاتهم وتفاصيل مواكباتهم للبحث العلمي. ويعد الدكتور بوخريص من أبرز الباحثين في الدراسات الطبيّة بالجامعة التونسيّة والمؤسسات البحثيّة الأوربيّة والأمريكيّة وفقا لتقديم الأستاذة سعاد كمون شوك رئيسة القسم، المؤكّدة في كلمتها الافتتاحيّة لهذه الأمسية العلميّة على أهميّة مواكبة جديد الثورة العلميّة ذات الصلة بالذكاء، بوصفه مجالا « غير مدرك بشكل دقيقّ » على حد عبارة المحاضر . لقد اهتمّت عديد الموسوعات والمؤلّفات والمجلات العلميّة بمسألة الذكاء ممّا يفسّر « تعدّد التعريفات والمفاهيم . . وهي غالبا ما تكون قابلة للجدل ومتناقضة أحيانا » كما قال الدكتور رفيق بوخريص، لكن يظل مفهوم « الذكاء الكوني » موحّدا لكل المقاربات على امتداد المسارات التاريخيّة حيث يتفق الجميع على بعض الثوابت، ومن الطبيعي أن تتقلّص الاختلافات حول الذكاء البيولوجي مثل المسلمة ذات العلاقة بتأثير تطوّر الدماغ في نمو الذكاء، وتتّسع مسافة الاختلاف بشأن تفاصيل علميّة معقّدة قد يفهمها الثنائيون على أنها إقصاء للتجربة الروحيّة ويستوعبها الماديون بما هي ظواهر مرتهنة بالمادة . لذلك لازالت برأي الدكتور رفيق بوخريص إشكالات الوعي والذكاء غير مستوعبة علميا، مستعرضا أمثلة تؤكّد وجاهة موقفه إذ تجهل التأويلات الروحيّة والميتافيزيقيّة طبيعة العلاقة بين المسارات النفسية والبيولوجيّة والتداخل بين الفعاليات الذهنيّة والسيكولوجيّة، وعليه غالبا ما نمارس الاحتماء بالميتافيزيقا للخلاص من توتّر القصور المعرفي .
كما استعرض المحاضر أبرز التجارب العالميّة في صناعات الذكاء وما بلغته نجاحات الذكاء الاصطناعي، تلك التي تتجلى في محاكاة المهارات البشريّة والاستخدامات اللوجستيّة والطبيّة، وفي جميع صناعة التكنولوجيا، ألسنا اليوم أمام ذكاءات متعدّدة وفلسفات ونظريات الذكاء الاصطناعي مثل نظرية الذكاء الاجتماعي، لكن بعض الشعوب لا تستثمر إلاّ في الغباء الاجتماعي ولا تعلم حتى جغرافيا الذكاء البيولوجي .